فَهَذِهِ حِكَايَةٌ لَمْ نَعْرِفْهَا وَلَمْ نَجِدْهَا فِي الرِّوَايَاتِ، فَلَا تَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهَا أَبُو الصَّلْتِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ عَنْ ثِقَةٍ، فَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ مَعْرُوفًا بِقِلَّةِ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو شاء لَأَكْثَرَ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَّقِي ذَلِكَ وَيَتَقَدَّمُ إِلَى النَّاسِ يَنْهَاهُمْ عَنِ الإِكْثَارِ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى إِن كَانَ لَيَقُولُ:
«اتَّقُوا مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِلَّا مَا كَانَ يُذْكَرُ مِنْهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ، فَإِنَّ عُمَرَ - رضي الله عنه - كَانَ يُخوِّف النَّاسَ فِي اللهِ».
وَهَذَا طَعْنٌ كَثِيرٌ مِنَ المُعَارِضِ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ أَحَادِيثَ النَّاسِ عَنْ غَيْرِ ثَبْتٍ فَيَجْعَلُهَا عَنْ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَوِ استحلَّ مُعَاوِيَةُ هَذَا المَذْهَبَ؛ لَافْتَعَلَهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَنَحَلَهَا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ يُقْبَلُ مِنْهُ، لِمَا أَنَّهُ عُرِفَ بِصُحْبَةِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَلَمْ يَكُنْ يُنْحِلُهُ قَوْلَ غَيره مِنْ عَوَامِّ النَّاس.
ويَدُلُّك قِلَّةُ رِوَايَة مُعَاويةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وكَانَ كَاتِبُهُ- عَلَى تَكْذِيبِ مَا رَوَيْتَ عَنْ أبي الصَّلْت.