للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم وصف الله هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن أم الكتاب، أي أنهن أصل الكتاب، الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود، وسائر ما يحتاج إليه الخلق، من أمر دينهم، وما كلّفوا به من الفرائض في عاجلهم وآجلهم.

وإنما سماهنّ أم الكتاب، لأنهنّ معظم الكتاب، وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه (١).

وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ: ومن القرآن آيات أخر، هنّ متشابهات في التلاوة، مختلفات في المعنى (٢).

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ: فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وحيف عنه، فيتّبعون من آيات القرآن ما تشابهت ألفاظه، واحتمل صرفه في وجوه التأويلات، باحتماله المعاني المختلفة، وذلك إرادة اللبس علي نفسه وعلي غيره، واحتجاجا بذلك علي باطله الذي مال إليه قلبه، دون الحقّ الذي أبانه الله، وأوضحه بالمحكمات من آيات القرآن! وهذه الآية- وإن كانت نزلت في نصاري نجران- فإنه معنى بها كلّ من ابتدع بدعة في دين الله، فمال إليها قلبه، تأويلا منه لبعض متشابه القرآن، ثم حاج به وجادل أهل الحق، وعدل عن الواضح من أدلة الآيات المحكمات، وذلك ليلبس علي أهل الحق من المؤمنين دينهم، وطلبا منه لعلم تأويل ما تشابه من القرآن.

تشمل كلّ من كان كذلك، كائنا من كان، سواء كان من أهل اليهودية أو النصرانية أو المجوسية، أو كان سبئيا، أو حروريا، أو قدريا، أو جهميا.

فهو من الذين

قال عنهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (فإذا رأيتم الذين يتبعون ما


(١) جامع البيان للطبري: ٣/ ١٧٠، طبعة دار الفكر.
(٢) المرجع السابق: ٣/ ١٧٢.

<<  <   >  >>