وقرئ بعد ذلك فى الأسواق، ونثر عليه الفضة والذهب، وارتفعت الأصوات بالأدعية.
وفى يوم السبت ثالث عشر شوال وصل رسول الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، معزيا بالإمام الناصر، ومهنيا بالإمام الظاهر، وهو الوزير ضياء الدين أبو الفتح نصر بن الأثير الجزرى، وأدّى الرسالة بين يدى الوزير مؤيد الدين بن العلقمى، نسختها:
«بسم الله الرحمن الرحيم، العبد يقوم بعذره قبل قوله، فإن هذا المقام مقام مهابة، لا تجد الخواطر فيه شبحا، فإذا بلغ البليغ جهده، كان قصاراه أن يسأل صفحا-ثم أشار بيده إلى الوزير مؤيد الدين يقول:
إن كان لا يرضيك إلاّ محسنا ... فالمحسنون إذا لديك قليل
عبد الديوان العزيز النبوى، لؤلؤ، يعزّى نفسه خاصة، والمسلمين كافة، بفقد من الإسلام له فاقد، ومن لم نشك الوحدة لمصليه إلاّ إلى واحد، وهو سيدنا ومولانا الإمام الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، الذى التفت الأرض منه على سجى ثراها، ومسك عراها، ونادى سنّة العدل والإحسان كما أن الله يراها، فأى سحاب يصب عنها سبل مواهبه، وأى جبل حفت جنوبها لمزايلة مناكبه، لكن تلافى الله تعالى بقيام ولى عهده من بعده، سيدنا ومولانا الإمام الظاهر بأمر الله أمير المؤمنين، فعطف الله هذه النعمة على تلك البؤسى، وأنست من كلمها الذى لولاها لما كان يوسى.
وفى الحى الميت الذى غيّب الثرى فلا أنت مغبون، ولا الدهر غابن، وما من أحد إلا فاستبدل عزاءه بهنائه، ورأى عمود الإسلام قائما بعد هدم بنائه، وعلم أن الدهر أذنب ثم اعتذر، وقال هذه الشمس طالعة إذ غيّب القمر، وأشبه لديه رتق هذا الفتق برتق فتق أبى بكر بعمر. وقد حضر العبد نائبا عن مرسله فى إعطاء صفقة يمينه وثمرة قلبه، أخذا بقول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ}