سنحاريب، والمسلط الثاني هو بختنصر، وكلاهما من أرض العراق، ومن ثم فإن من سلط عليهم أول مرة وثاني مرة هم من شعب واحد، والجواب أن كتب العهد القديم- وإن لم تكن موثوقة تاريخيا، إلا أنه قد يستأنس بها في أمهات المسائل التاريخية تذكر في الإصحاح الثاني والثلاثين من أخبار الأيام الثاني أن سنحاريب ملك آشور قد حاصر أورشليم ولكن الله سلّط على جنده ملكا فأبادوا كل جبار بأس ورئيس وقائد ورجع هو خزيان ثم قتله أبناؤه)، فلم يكن تسليط في هذه المرحلة كما توهم بعض المفسرين الذين ليس لهم مستند إلا الروايات الإسرائيلية، وهي لا تفيد ما توهموه، فلم يجب هذا الكلام على الموضوع المطروح، وهو أن المسلّطين الأولين هم المسلّطون الآخرون.
...
وقد حاولنا أن نلقي نظرة على التوراة الحالية المحرفة لعلّنا نجد ما نستأنس به، فوجدنا في التوراة شيئا له علاقة بهذا الموضوع إلى حد ما، إلّا أن التحريف واضح جدا فيها. فمثلا تجد في الإصحاح التاسع والعشرين وهو أحد الإصحاحات الثلاثة التي تحدثت عن العقاب الذي هدّد الله به بني إسرائيل إذا انحرفوا هذه العبارة:
(واستأصلهم الرب من أرضهم بغضب وسخط وغيظ عظيم. وألقاهم إلى أرض أخرى كما في هذا اليوم). فكلمة كما في هذا اليوم تشير إلى أن هذه الكلمة وهذه النسخة مكتوبة في زمن بابل أو في التشتيت الأخير، وهذا من جملة الأدلة على أن نسخ التوراة الحالية محرفة، ومع هذا التحريف فإننا نلاحظ كلاما شبيها ببعض ما جاء في الآيات القرآنية. فمثلا في السفر الثامن والعشرين:
(يجلب الرب عليك أمة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النسر. أمة لا تفهم لسانها. أمة جافية الوجه لا تهاب الشيخ ولا تحن إلى الولد).
فهذا يشبه قوله تعالى: عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وفي الإصحاح نفسه:
(ويبددك الرب في جميع الشعوب من أقصاء الأرض إلى أقصائها ...
وفي تلك الأمم تطمئن ولا يكون قرار لقدمك بل يعطيك الرب هناك قلبا مرتجفا وكلال العينين وذبول النفس وتكون حياتك معلقة قدامك وترتعب ليلا ونهارا ولا تأمن على حياتك).