جاء في سورة الأنبياء قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وجاء فيها يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وفي سورة الزمر وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ إنك عند ما تتأمل هذه الآيات الثلاث، وكيف أنها تخدم بعضها، لتؤدي معنى معينا في قضية لا تخطر ببال البشر أصلا، لا من حيث الابتداء، ولا من الانتهاء، تدرك هذا المظهر من مظاهر الإعجاز.
وخذ مثلا آخر:
في هذه السورة ورد قوله تعالى عن يونس فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ ... وفي سورة الصافات فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ عند ما تتأمل النصين، وهما في سورتين متباعدتين، وكيف أن أحدهما يخدم الآخر، والآخر يبني عليه، فإنك تدرك أن مثل هذه الدقة لا يمكن أن تكون إلا إذا كان هذا الكتاب أثر علم الله المحيط، فيا أرحم الراحمين زدنا إيمانا ويقينا وتصديقا، وأمتنا على الإسلام واحشرنا عليه وأدخلنا الجنة مع السابقين
١٠ - هناك خلاف بين المفسرين حول المراد (بالزبور) في قوله تعالى وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ وهناك خلاف حول المراد بالذكر في الآية نفسها وقد ذكرنا في صلب التفسير ما نعتمده في هذه القضايا وهاهنا نفصل:
- اعتمدنا في تفسير الزبور والذكر ما نسبه ابن كثير لابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد وهو: الزبور الذي أنزل على داود، والذكر التوراة، فيكون المعنى: ولقد كتبنا في الزبور الذي أنزل على داود من بعد التوراة أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، وهل التقدير: ولقد كتبنا هذا قبل ذلك في التوراة، فيكون المعنى ولقد كتبنا في الزبور من بعد ما كتبنا في التوراة، أن الأرض يرثها عبادي الصالحون، أو التقدير: ولقد كتبنا في الزبور المنزل بعد التوراة أن الأرض يرثها عبادي الصالحون؟
فعلى هذا لا يكون مكتوبا في التوراة هذه البشارة، الراجح عندي أن هذه البشارة