وما فيها. وهي تستقبل عالما لا عهد لها به، ولا تملك من أمره شيئا إلا ما ادخرت من عمل، وما كسبت من خير أو شر.
هنا. وهي ترى ولا تملك الحديث عما ترى. وقد انفصلت عمن حولها وما حولها. الجسد هو الذي يراه الناظرون. ولكنهم ينظرون ولا يرون ما يجري ولا يملكون من الأمر شيئا.
هنا تقف قدرة البشر، ويقف علم البشر، وينتهي مجال البشر.
هنا يعرفون- ولا يجادلون- أنهم عجزة عجزة. قاصرون قاصرون.
هنا يسدل الستار دون الرؤية. ودون المعرفة. ودون الحركة.
هنا تتفرد القدرة الإلهية، والعلم الإلهي. ويخلص الأمر كله لله بلا شائبة ولا شبهة ولا جدال ولا محال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ!
وهنا يجلل الموقف جلال الله، ورهبة حضوره- سبحانه وتعالى- وهو حاضر في كل وقت. ولكن التعبير يوقظ الشعور بهذه الحقيقة التي يغفل عنها البشر. فإذا مجلس الموت تجلله رهبة الحضور وجلاله. فوق ما فيه من عجز ورهبة وانقطاع ووداع.
وفي ظل هذه المشاعر الراجفة الواجفة الآسية الآسفة يجئ التحدي الذي يقطع كل قول وينهي كل جدال: فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ* تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ!
فلو كان الأمر كما تقولون: إنه لا حساب ولا جزاء. فأنتم إذن طلقاء غير مدينين ولا محاسبين. فدونكم إذن فلترجعوها- وقد بلغت الحلقوم- لتردوها عما هي ذاهبة إليه من حساب وجزاء. وأنتم حولها تنظرون. وهي ماضية إلى الدينونة الكبرى وأنتم ساكنون عاجزون!
هنا تسقط كل تعلة. وتنقطع كل حجة. ويبطل كل محال. وينتهي كل جدال.
ويثقل ضغط هذه الحقيقة على الكيان البشري، فلا يصمد له، إلا وهو يكابر بلا حجة ولا دليل!).
١٦ - بمناسبة قوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ* فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ قال ابن كثير: (وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وبعض المباحات فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ أي فلهم روح