وقال من أخذته الحمية لأولئك العلماء فتصدى لهؤلاء العياب بمر الجواب: أما الخليل فليس ما يحكى عنه بعيب راجع عليه فانه كان منتحلا لعلم اللغة لا علم الجدل، بذلك عرف طول دهره، وبعد فان دولة الإسلام لم تخرج أبدع للعلوم التي لم يكن لها (أصل) عند علماء العرب أفضل من الخليل، وليس على ذلك برهان أوضح من علم العروض الذي لا عن حكيم أخذه، ولا على مثال تقدمه احتذاه وإنما اخترعه في ممر له بالصفارين من وقع مطرقة على طت ليس فيها بيان ولا حجة يؤديان إلى غير حليتهما، أو يفيدان غير جوهرهما، فلو كانت أيامه قديمة، ورسومة بعيدة لشك فيها بعض الأمم لصنعه ما لم يصنعه أحد منذ خلق الله الدنيا من اختراعه العلم الذي قدمنا ذكره ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة كل أمة من الأمم قاطبة، ثم من إمداده سيبويه من علم النحو بما صنف منه الكتاب الذي هو زينة لدولة الإسلام، وفلسفة تفتخر بها العرب على كل أمة. وقد أبان عن حاله جعفر بن يحيى بن خالد فانه قال يوما: حضرت البارحة مجلس أمير المؤمنين الرشيد فتذاكرنا علماء الملة من كل فن فاختلفنا ثم اتفقنا على أنه لم ير فيهم من برع براعة الخليل