بدلالة أن "أخطب" لا يكون إلا له؛ ألا ترى أن الأحوال لا تخطب، ولا يجوز وصفها بذلك، وإن جاز أن توصف بالحسن والقبح، فإذا وقع في هذا الموضع ما لا يكون إلا لعبد الله، كان في ذلك دلالة على أن ما يجوز أن يكون صفة لعبد الله ولغيره يكون لعبد الله، بدلالة وقوع "أخطب" ونحوه مما يختص هو بالوصف به دون أحواله له.
وقوله "كأنه قال: أخطبُ ما يكونُ عبد الله في يوم الجمعة" يريد: أن معنى "عبد الله أخطب ما يكون يوم الجمعة" معنى "أخطب ما يكون عبد الله في يوم الجمعة"، كما أنك إذا قلت "عبد الله جاد قوله يوم الجمعة" معناه: جاد قول عبد الله يوم الجمعة، وإن كنت لما قدمت "عبد الله" فارتفع بالابتداء زاد في الكلام اسم مبتدأ وقع الفعل في موضع خبره، فكما أن معنى "عبد الله قام أبوه" معنى "قام أبو عبد الله"، فكذلك "عبد الله أحسن ما يكون قائماً" في المعنى كقولك "أحسن ما يكون عبد الله قائماً".
قال: ومن العرب من يقول: أخطبُ ما يكون الأمير يوم الجمعة، وأطيب ما تكون البداوة شهرا ربيع، كأنه قال: أخطب أيام عبد الله يوم الجمعة، وأطيب أزمنة البداوة شهرا ربيع. وجاز "أخطب أيامه/ يوم الجمعة" على سعة الكلام، كأنه قال: أطيبُ الأزمنة التي تكون فيها البداوة شهرا ربيع، وأخطب الأيام التي يكون عبد الله فيها خطيباً يوم الجمعة، [في] هذه المسألة في أنها قد اتسع فيها مثل ما تقدمها، وإن اختلفت جهتا الاتساع في أنه قد نزل العين في الأول منزلة المعاني، ولم يسغ في هذه بأن أُسندت الخطبة إلى الزمان الذي يكون فيه، فجاز على تقدير:"خطُبَت أيام الجمعة"