جمع قدر بفتحتين وهو قضاء الله وحكمه الذي قدّره وحكمه على الخلائق أزلًا قبل وجود الكائنات الذي يجري عليها فيما لا يزال بعد وجودها (قبل أن يخلق السماوات والأرض بـ) ـقدر (خمسين ألف سنة) مما تعدّون أي أثبتها في اللوح المحفوظ أو فيما شاء فهو توقيت للكتب لا للمقادير لأنها راجعة إلى علم الله تعالى وإرادته وذلك قديم لا أول له ويستحيل عليه تقديره بالزمان إذ الحق سبحانه وتعالى بصفاته موجود ولا زمان ولا مكان وهذه الخمسون ألف سنة سنون تقديرية إذ قبل خلق السماوات لا يتحقق وجود الزمان فإن الزمان الذي يعبر عنه بالسنين والأيام والليالي إنما هو راجع إلى أعداد حركات الأفلاك وسير الشمس والقمر في المنازل والبروج السماوية فقبل السماوات لا يوجد ذلك وإنما يرجع ذلك إلى مدة في علم الله تعالى لو كانت السماوات موجودة فيها لعددت بذلك العدد وهذا نحو مما قاله المفسرون في قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام}[الأعراف: ٥٤]. أي في مقدار ستة أيام ثم هذه الأيام كل يوم منها مقدار ألف سنة من سني الدنيا كما قال تعالى:{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج: ٤٧] , وكقوله:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[السجدة: ٥] هذا قول ابن عباس وغيره من سلف المفسرين على ما رواه الطبري في تاريخه عنهم ويحتمل أن يكون ذكر الخمسين ألفًا جاء مجيء الإغياء في التكثير ولم يرد عين ذلك العدد فكأنه قال كتب الله مقادير الخلق قبل خلق هذا العالم بآماد كثيرة وأزمان عديدة وهذا نحو مما قلناه في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}[التوبة: ٨٠] والأول أظهر وأولى اهـ من المفهم.
والمذهب الصحيح أن كتابة الله المقادير قبل السماوات والأرض بمقدار خمسين ألف سنة صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها ولا نؤوّلها كما أوَّلها المؤولون والله سبحانه وتعالى أعلم بمعنى كلام رسوله صلى الله عليه وسلم و (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا (وعرشه) قبل خلق السماوات والأرض (على الماء) أي فوق الماء الذي تحت الأرضين ليس بينه وبينه شيء قال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}[هود: ٧] أي فوق الماء إذ لم تكن سماء ولا أرض اهـ.