للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإنِّي أَعطَيتُكَ لأُمتِكَ أَن لَا أُهلِكَهُم بِسَنَةٍ عَامةٍ. وَأَن لَا أُسَلِّطَ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن سِوَى أنفُسِهِم. يَستَبِيحُ بَيضَتَهُم. وَلَو اجتَمَعَ عَلَيهِم مَن بِأقطَارِهَا -أَو قَال: مَن بَينَ أقطَارِهَا- حَتى يَكُونَ بَعْضُهُم يُهلِكُ بَعضًا، وَيَسبِي بَعضُهُم بَعضًا"

ــ

فإنه) أي فإن قضائي (لا يرد) ولا يدفع بل ينفذ لا محالة، قال القرطبي: يستفاد منه أنه لا يستجاب من الدعاء إلا ما وافقه القضاء وحينئذ يشكل بما قد رُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء" رواه الترمذي من حديث سلمان رضي الله عنه [٢١٣٩] ويرتفع الإشكال بأن يقال إن القضاء الذي لا يرده دعاء ولا غيره هو الذي سبق علم الله تعالى بأنه لا بد من وقوعه والقضاء الذي يرده الدعاء أو صلة الرحم هو الذي أظهره الله بالكتابة في اللوح المحفوظ الذي قال الله تعالى فيه {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] والله أعلم (وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) ونواحيها (أو قال) النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي لفظة ولو اجتمع عليهم (من بين أقطارها) والشك من الراوي أو مِمن دونه (حتى يكون بعضهم) أي بعض المسلمين (يهلك) أي يقتل (بعضًا) آخر منهم (ويسبي) أي يأسر (بعضهم) أي بعض المسلمين (بعضًا) آخر منهم. وهذه الجملة تحتمل معنيين: الأول أن يكون الضمير في بعضهم عائدا على المسلمين فالمراد أن أعداء المسلمين لا يستطيعون أن يستبيحوا بيضتهم ولكن قد يكون المسلمون أنفسهم يتقاتلون فيما بينهم فيهلك بعضهم بعضًا ويأسر بعضهم بعضًا وبهذا التفسير جزم الطيبي، والاحتمال الثاني أن يكون الضمير في قوله بعضهم عائدًا على أعداء المسلمين فيكون المراد أنهم كلما اجتمعوا لاستئصال المسلمين لم يتمكنوا من ذلك حتى تصير عاقبتهم إلى المقاتلة فيما بينهم والله أعلم، قال القرطبي (حتى يكون) .. الخ ظاهر (حتى) الغاية فيقتضي ظاهر هذا الكلام أنه لا يُسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم إهلاك بعضهم لبعض وسبي بعضهم لبعض وحاصل هذا أنه إذا كان من المسلمين ذلك تفرقت جماعتهم واشتغل بعضهم ببعض عن جهاد العدو فقويت شوكة العدو واستولى عليهم كما شاهدناه في أزماننا هذه في المشرق والمغرب وذلك أنه لما اختلف ملوك الشرق وتجادلوا استولى كفار الترك على جميع عراق العجم، ولما اختلف ملوك المغرب وتجادلوا استولت الأفرنج على جميع بلاد

<<  <  ج: ص:  >  >>