للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآيِ أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ .. فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا؛

ــ

يجوزُ قبولُ أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الراوي لها العدل وَإِنْ جَرَّ لنفسهِ بذلك نفعًا أو لولدِه، أو ساق بذلك مَضَرَّةَ لِعَدُوِّه، كأخبار عليٍّ رضي الله عنه عن الخوارج.

وسِرُّ الفرقِ: أنه لا يُتَّهَمُ أحدٌ من أهل العدالة والدِّين بأنْ يَكْذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ من ذلك، فكيف يقتحم أحدٌ من أهل العدالة والدِّين لشيءٍ من ذلك مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليس كَكَذِبٍ على أَحَدٍ، فمَنْ كَذَبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا .. فَلْيَتَبَوَّأْ مقعدَه من النار"؟ والخبرُ والشهادةُ وَإِنِ اتَّفَقا في أصل اشتراط العدالة .. فقد يفترقان في أمورٍ عديدةٍ) اهـ (١). وسيأتي الإِشارةُ إِليه في كلام المؤلِّف.

(فَدَلَّ) سبحانه وتعالى (بما ذَكَرْنا) وبَيَّنَّا (مِنْ هذهِ الآي) الثلاثةِ على (أَنَّ خَبَرَ الفاسقِ) ونَبَأَه (ساقطٌ) مهجورٌ مردودٌ (غيرُ مقبولٍ) في حُكْمٍ من الأحكام، وهذا ما دَلَّ عليه بمنطوق الآية الأولى.

(و) دَلَّ أيضًا على (أَنَّ شهادةَ) الفاسقِ (غيرِ العَدْلِ مردودةٌ) غيرُ مقبولة، وهذا ما دَلَّ عليه بمفهوم الآيَتَينِ الأخيرَتَينِ (والخَبَرُ) أي: الروايةُ (وإنْ فَارَقَ معناهُ) أي: معنى الخبرِ وحُكْمُه (مَعْنَى الشَّهَادَةِ) أي: حُكْمها وهي الإِخْبَارُ عن حقٍّ للغير على الغير (في بعضِ الوُجُوهِ) والشُّروطِ كالذُّكورة والحُرِّيَّة والعدد، فإِنَّ هذه الثلاثةَ معتبرةٌ في الشهادة دون الخبر والرواية (فقد يَجْتمِعانِ) أي: الخبرُ والشهادةُ؛ أي: يَتَّفِقانِ (في أعظمِ مَعَانِيهِما) أي: في أكثرِ أحكامِهما وشروطِهما كالإِسلام والعدالة والبلوغ والعقل.

قال النوويُّ: (وقولُ مسلمٍ: "والخَبَرُ وَإنْ فَارَقَ معناه مَعْنَى الشهادةِ ... " إِلخ من الدلائل الصريحة على عِظَمِ قَدْرِ مسلمٍ، وكثرةِ فِقْهِهِ.


(١) "المفهم" (١/ ١٠٩ - ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>