للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهِ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَال قَتَادَةُ: فَقُلْنَا: فَالأَكْلُ؟ فَقَال: ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ

ــ

اليشكري البصري (حدثنا قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة سعيد بن أبي عروبة لهمام بن يحيى (أنه) صلى الله عليه وسلم (نهى أن يشرب الرجل قائمًا قال قتادة فقلنا) لأنس (فالأكل) قائمًا نهى عنه أيضًا (فقال) لنا أنس نعم (ذاك) أي الأكل قائمًا (أشر) أي أقبح من الشرب قائمًا (أو) قال أنس ذاك أي الأكل قائمًا (أخبث) أي أخس من الشرب قائمًا، شك قتادة أي اللفظين قال أنس ومعناهما واحد، وقوله (أشر) هكذا وقع في الأصول أشر بالألف والمعروف في العربية شر بغير ألف وكذلك خير قال الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيرٌ مُسْتَقَرًّا} وقال تعالى: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} ولكن هذه اللفظة وقعت ها هنا على الشك فإنه قال: أشر وأخبث، فشك قتادة أن أنسًا قال أشر أو قال أخبث فلا يثبت عن أنس أشر بهذه الرواية فإن جاءت هذه اللفظة بلا شك وثبتت عن أنس فهو عربي فصيح فهي لغة وإن كانت قليلة الاستعمال ولهذا نظائر مما لا يكون معروفًا عند النحاة ولا جاريًا على قواعدهم وقد صحت به الأحاديث فلا ينبغي رده إذا ثبت بل يقال هذه لغة قليلة الاستعمال ونحو هذا من العبارات وسببه أن النحويين لم يحيطوا إحاطة قطعية بجميع كلام العرب ولهذا يمنع بعضهم ما ينقل غيره عن العرب كما هو معروف اهـ نووي. وعلى كل حال فالرواية دالة على أن الأكل قائمًا أشنع من الشرب قائمًا، لكن قال القاضي عياض: لم يختلف في جواز الأكل قائمًا، وإن قال قتادة إنه أشر وأخبث ولعله استند في ذلك على ما ذكرناه من حديث ابن عمر (كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام) أخرجه الترمذي ولكن كيف يصح دعوى الاتفاق على الجواز وقد ثبت عن أنس (لا عن قتادة) أن الأكل قائمًا أخبث من الشرب قائمًا، فإما أن يجمع بين الحديثين بعين ما ذكرناه في مسألة الشرب وذلك أن حديث أنس محمول على الكراهة التنزيهية وحديث ابن عمر على الجواز، وإما بأن يقال إن حديث ابن عمر محمول على أكل لقمة أو لقمتين وأكل أشياء لا يهتم لها بالمائدة وحديث أنس محمول على الطعام الذي يؤكل على المائدة وهذا أوجه والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>