ويشرح البيروني قول علي بن الجهم فيقول:"عنى بالأول الفتوّة إذ لم يتمكّن منها إلاّ بسعة اليد واتّساع النعمة، وربّما التوى الاجتهاد في حيازتها، ولا ملام على من لم تساعده المقادير على نيل المطلب، وعنى بالأخير المروءة فإنّ أنفس الأحرار تأبى الانخزال، وتبعث على التصوّن من الابتذال، فيظهر السعة، ويخفي الضيق ما أمكن حتّى يحسبهم الجاهل بأحوالهم أغنياء من التعفّف" إلى آخر قوله.
وكما تحدّث البيروني في الترويحة التي عرضناها عن الفتوّة ومظاهرها تكلّم ف يالترويحة التاسعة (ص ١٧ - ٢٢) على الطهارة والنظافة والتجمّل والتطيّب ممّا عليه مدار المروءة التي يعتبرها البيروني "قطب المحامد" وقال: إنّ مدار الأمر في نظافة الإنسان على الماء الطهور، واحتجّ على ذلك بواصايا العرب والعربيات لبناتهن، ونقل منها سبع وصايا كلّها "ترجع إليه وتدور عليه" منها قول عبد الله بن جعفر بن أبي طالب لابنته حين زوجها: "إيّاك والغيرة فإنّها مفتاح الطلاق، وأنهاك عن إكثار العتاب فإنّه يورث البغضاء، وعليك بالزينة، وأزينها الكحل، وبالطيب وأطيبه الماء". وبعد التنبيه على أهمّية طهارة الجسم، وتجميل البشرة، وفضل الماء فيها، نبّه على أهمّية طهارة الثياب، ونقل ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سئل عن المروءة فقال:"إنّها النظافة في الثياب" وقال غيره: "المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة". واستدلّ البيروني على أهمّية نظافة الثياب وجلالة محلّها بما قيل فيمن خالفها من شعر، وبتعبير العرب عن طهارة النفس والقلب بنقاء الثوب والإزار والجيب والذيل، ولا ينسى ما "قال بعض أهل التفاسير في قوله تعالى} وثيابك فطهر {أنّ معناه: قلبك ونيّتك"، ويرى البيروني أنّ ذلك "محتمل وظاهر الآية وباطنها كلاهما في نهاية الحسن على موجب العقل".
والترويحة العاشرة (ص ٢٢ - ٢٤) تتناول مظهرًا آخر من مظاهر النظافة التي تكمّل به، وهو التطيّب بالروائح الأرجة، وهنا يبرز ذكاء البيروني في