للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكامل في البلدان التي لا يبلغها، فإن إمامته إنما تظهر فيها بالتولية دون مباشرة الأمور وتنفيذها بنفسه. وكمنزلة في حال شدة مرضه، فإنه إذا عجز عن النظر في أمور المسلمين ولي غيره، فجاز أمره، وقد تولى، فيموت فيعجز بالموت عن العمل، وتدوم الولاية لمن ولاه. وكذلك إذا عقد له وليس بكامل صار إمامًا في حق التولية، وإن لم يكن إمامًا في حق التنفيذ والمباشرة وبالله التوفيق.

فإن قيل: قلما يحتاج إليه إذا كان لا يكمل للأمر، ويحتاج إلى أ، يولي كل شغل رجلا، ولم لا يقال: إن الذين يعقدون له الأمر يتولون النظر في هذه الأعمال فيولون كل رجل يصلح له!

قيل له: قد قلنا أنه لا بد من إمام وبينا وجهه. وذكرنا أن الإمامة لا تليق إلا بعلية الناس وهم قريش، فلا يصلح مع هذا أن يقوم العامة بتقليد الأعمال، ولكنهم يجتمعون على واحد، فيكلون الأمر في الجملة إليه. فإن استقل بعامة الأعمال، وإلا استعان بغيره على ما وصفت والله أعلم.

فإن قيل: فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمر الآمر، ولا يتحرى فيهم الفقه والنظر، فلم لا أجزت مثل ذلك في كل وقت؟

قيل: لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أشكل عليه، حكم حد أو غيره، رجع إلى ما لم يختلف ولم يضطرب عليه، وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يضره أن يكون غير مستبصر بعامة ما يحتاج إليه. وأما اليوم، فإن الإمام إذا عرض له إشكال، فإنه إن أخبر فيه بأمر يجتمع عليه فجائز له أن يأخذ به فينفذه، وإن اختلف عليه- وهو لا رأي له- لم يمكنه أن يرجع قولًا على قول، ولا يسعه التقليد فيما يعمل به في غيره لأنه ضرورة به إليه، فصح أنه لا يسعه إلا أن يولي الأمر من يكمل له بعلمه ونظره.

وأما القضاء فلم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه أحدًا من غير أهل العلم الذين يجمعون إلى معرفة الكتاب والسنة اجتهاد الرأي فإنه لما أوفد عليًا رضي الله عنه دعاله ومسح صدره. قال علي رضي الله عنه: فما أشكل على قضاء قط. وقد كان قال له: (أقضاكم علي).

<<  <  ج: ص:  >  >>