للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل له: -وبالله التوفيق- أجمع الناس على الفرق بين العدل والفاسق في الشهادة ثم اختلفوا في المعنى. فقيل: هو آثم، وذلك نقصان دينه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف النساء بنقصان الدين لأجل أنهن لا يصلين بعض أيامهن. ومعلوم أنهن غير عاصيات بما يتركنه من الصلاة أيام عذرهن. فأولى أن يكون الفاسق ناقص الدين إذا كان يترك الصلاة لا في عذره. أيضًا فإن الفاسق لو شهد لقائل ابن أو ابنة على ابن له آخر لكان ذلك وسائر شهاداته بمنزلة واحدة. ومعلوم أن لا نقمة تلحقه في هذه الشهادة. فعلم أن الذي يؤخره عن مرتبة العدل نقصان دينه. فمن ذهب إلى الأول قال: أن خلع الإمام نفسه عن الإمامة إلى رجل غير عدل أو مات، قيضه الناس مكانه بعد الاجتهاد والنظر واستقصاء الرأي.

فذلك ماض لا ينقص لأنهم أحسنوا الظن به لما نصبوه، فلا ينقص ذلك بالتهمة التي ليست تحتها إلا إساءة الظن، فإن إساءته رأي، كما أن إحسانه رأي. فلا ينقص الرأي برأي مثله. وكذلك يقول في الفاسق. إذا شهد عند حاكم فقبله أن ذلك إذا وقع إلى حاكم آخر لم ينقضه، فإن كل الذين نصبوه أو الإمام الذي خلع نفسه لم ينظر واحد يجتهد أو القوم لم يرتابوا ولم ينظروا فيكون اجتهادهم أداهم إلى أن إحسان الظن أولى من إساءته. وأن التهمة لا معنى لها في حط المسلمين عن أقدارهم الثابتة لهم بديانتهم. فذلك غير ماض ولا نافذ، وهو كحكم الحاكم لما لم تظهر له صحته ولا أداه إليه نظره، فلا يجوز ذلك منهم.

ومن ذهب إلى المعنى الآخر قال: لا يجوز تولية غير العدل بحال. لأنه ناقص الدين، ولا يكون إمام أهل الدين إلا كامل الدين، لأن الغرض من نصب الإمام حفظ الدين، ودفع جوانب الخلل عنه وعن أهله. فإذا كان الإمام بنفسه ناقص الدين لما تحصل منه هذه الفائدة، وأقل ما في فريضته أن يقتدي الناس به فيما هو فيه لأنه إمامهم.

فيصير أمره سببًا لظهور الفساد وغلبة أهله، ويعود ذلك بالشين على الملة إذا نظر أهل سائر البلد إليه وإلى الذين نصبوه ورضوا بإمامته ولعل الأمر يترقى إلى أيامهم، أن المسلمين يعلمون أنفسهم أنهم يتظلمون فيما يظهرونهم من دنياهم، غير أنهم ينسبون بها

<<  <  ج: ص:  >  >>