في الدفع والجدل، فقويت بذلك بصيرته، واشتدت من الدين مريرته، وحسن في الإسلام بلاؤه، وظهر جده وعناؤه. فأما الأصل فلم يكن إلا ما ذكرنا والله أعلم.
فإن قيل: أرأيت الذي يؤمن اليوم ولا يخطر بقلبه من حقيقة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجته شيء مما ذكرت، ولو أريد إسماعه لذلك لم يسمعه، ولو سمعه لم يدركه، ولو فهمه لم يفهمه، أيقال أنه مؤمن؟
قيل: هذا لا يخلو من أن يكون سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على المشركين بالحجة، فإذا اعتمد هذا البلاغ ولأجله آمن، كان نظير الذين آمنوا واقفين على حجته، وإن لم يعرف هذا عين الحجة، وهذا الذي يدخل في إيمانه شيء من التقليد، ولا يضره لأنه لا يتسع لأكثر منه، وبالله التوفيق.
فإن قيل: أرأيتم من بلغه على ألسنة المؤمنين ما وصفهم، وبلغه على ألسنة الكافرين خلافه، فبماذا يرجح عنده خبر المؤمنين حتى إذا قبله وآمن به صح إيمانه، وإن كان فيه من الحقيقة ما يرجحه. فهو إذا كان غافلا عنه وإن لم يكن في غفلة ما يوصله إلى معرفته، فماذا يعني ذلك عنه.
قيل: إن البلاغ الواقع من قبل المؤمنين رجحانا وهو أن الكفار لا يتهيأ لهم أن يجحدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد جاء بآيات وأعلام كثيرة، وأنها قد نقلت نقل اليهود أعلام موسى ونقل النصارى أعلام عيسى صلوات الله عليهما فهم مضطرون إلى الاعتراف بإثباته منها، بما يذكره المسلمون. وإذا ثبت ذلك ولم يتهيأ لهم تحقيق شيء فيما يتكلمون فيها، كانوا بترك الإيمان به معاندين، ولم يكن في شيء مما يبلغ مزيد الإيمان عنهم ما يقف موقف ما يبلغه عن المؤمنين، فلا يؤثر خلافهم أثرا، ولا أوقع فيما عند المسلمين من أمر دينهم خللا وبالله التوفيق.
فأما من يبلغه الخبران، ولم يكن ممن يدرك الراجحان، فإنه إذا كان لا يدرك أمور الكلامين وأبينهما فبالحري أن لا يدرك أبهمهما وأظلمهما وهو ما يعارض به الكفار من شبههم وزخاريف أقوالهم، وإذا لم يدركها وسلم البلاغ الذي وصفناه عن النبي صلى الله عليه وسلم في صدره خلص من الشك إيمانه وصح والله أعلم.
وأيضا فإن تلك الأعلام وإن كان لا يحصل منها اليوم إلا على الخبر، فالقرآن قائم بين أظهرنا ونحن ندعي أن الأنس والجن لا يقدرون على الإتيان بمثله، فيدل عجزهم اليوم