فأهل الجنة العالية أصحاب الأعراف كأهل السطح الذين هم في السرور، وأهل النار هم كأهل الصحف الذين هم في الغموم.
إلا أن بين الجنة العالية من الوجه الذي يشرف على الأرض والنيران السافلة حجابا، وهو سور يضرب يوم القيامة، والأعراف أعلى من هذا السور، فلا يكون بين أهل الجنة وأهل النار تلاق ولا تقارب، إلا أن يكون تناد من أهلها إلى ملائكة الجنة ينادي أهلها إلى ملائكة العذاب، وملائكة النار ينادي أهلها إلى ملائكة الجنة، أو يقوى الله تعالى الأصوات والإسماع فيسمع أحد الفريقين مع بعد المسافة الآخر، وهذا قبل أن يسلب أهل النار إسماعهم.
وإذا كانت البحار تسجر يوم القيامة فتكون هي جهنم والبحار في الأرض، فقد صار بعض الأرض جهنم، فلا يبعد أن يكون تبديل الله تعالى الأرض غير الأرض بعد ركوب الناس الصراط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هو أن تقلب الأرض كلها نارا، كما تقلب مواضع المياه منها نارا، وأن يكون بقاء الأرض ترابا مدة فيها يحتاج إليها للقيام عليها. فإذا فرغت منهم صارت نارا.
وقد قال بعض العلماء: إن الكفار لا يجازون على الصراط لأنهم في النار وهم في معدن النار إذا النار في الأرض فإذا خلص المؤمنون وحصلوا على الصراط وانفروا الكفار بمواقفهم صارت مواقفهم من النار، فلم يلق مع ذلك بأحوالهم أن يجازوا على الصراط، وهذا القول قرب ما قلناه والله أعلم بما هو فاعله.
وذكر وهب في كتابه: أن الله عز وجل إذا أراد أن يكشف عن سقر غطاها خرجت منها نار تفتق بالبحر المطبق على شفير جهنم، واشتغلت في الأرض السبع فتركتها جمرة واحدة، فقد يحتمل أن يكون شقها البحر قبل حساب الخلائق، واشتعالها في الأرضين السبع لتصير جمة واحدة بعد أن ركب المؤمنون الصراط، فيرجع هذا القول الذي حكته والله أعلم.
وأما ما ذكر في هذا الحديث من الأنوار، فقد قيل: أن ذلك إنما يكون إذا أمر بأهل الجنة إلى الجنة وبأهل النار إلى النار، فيتقدم المؤمنون، وقد أعطى كل واحد منهم فوراً