هذا الوجه كان إشفاقه وكراهيته لهذه الأمور. فهذا أيضا محمود، وهذا خوف ينشأ من المحبة والتعظيم جميعا.
وأما المذموم فهو أن يكون خوفه بعض هذه الأمور لحرصه على ماله منها من المنافع الدنيوية، وشدة ركونه إليها في مثله إلى التكثر بماله منها، والتوصل بها إلى ما يريد ويهوي، كان في ذلك رضى الله أو سخطه، وإنما كان مذموما للغرض الذي كان ينشأ هذا الخوف، ولأن جميع نعم الله عند العبد من مال وولد وما يشتهيها إنما هي عوادي والركون إلى العوادي ليس من فعل العقلاء والمخلصين.
فصل
فأما شرائع الخوف فمنها أن يتهيب العبد بآيات الله التي يهب خلقه لخسوف الشمس والقمر والزلازل والرياح والعواصف والرعد والبرق والظلمة في غير وقتها، وانقطاع المطر في وقته ونحو ذلك.
فإن الله عز وجل وضع في قلوب عباده الانزعاج لهذه الحوادث، كما وضع فيها السكون والطمأنينة لما يخالفها، فلما كان ضياء الشمس والقمر، وهدوء الأرض وسكون الرياح المؤذية وخلق الحساب من الرعد والبرق وصفاء الهواء ونزول المطر في وقته نعمة. وروحا من الله تعالى ورحمة وجب أن يكون ما بخلافها تهيبا وتخويفا ومؤاخذة.
قال الله عز وجل:{وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} فمن غفل عمن يبدو له من ذلك ولم يترك لأجله قبيحا كان فاعله ازداد جرمه وتغلظ ذنبه واستحق من العقاب ما لم يكن مستحقا قبله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفا لموت واحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله تعالى" وفي رواية أخرى (إلى الصلاة).