للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحتمل قول الله عز وجل {لعلكم تتقون} على هذا المعنى، لعلكم تتقون أنفسكم النار، بأن ينقص من أجسادكم بعضها بالجوع والعطش، وترك اللذة لوجه الله تعالى. فيصير ما ينقصونه منها بهذه الأسباب عوضًا مما كانت النار تأخذها منكم لو وافيتم القيامة وأبدانكم بترك صحة الترف وجيوبكم من السرف والله أعلم.

وإنما قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة). فقد يجوز أن يكون هذا معناه أيضًا. ويجوز أن يكون الصائم أدل المهجة في سبيل الله. لأن الله عز وجل جعل قوام الأبدان بالطعام والشراب، فمن تركهما بأمره فقد استسلم للهلاك، إلا أن يعصمه الله منه، ومن يفعل ذلك فقد صار في جنة من العذاب، لأنه لا شيء أعز على أحد من نفسه، فإذا سمح بها، فقد جاء بأقصى ما يقدر عليه من يطلب مرضاة الله تعالى، فقضي حق العبودية من نفسه، وكان الله تعالى أكرم من أن يعذبه.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم ضياء). فيحتمل أن يكون معناه أنه ضياء للقلب. لأن الشهوات إذا انفرقت به انجلى عن القلب الظلام الغاشي إياه، باستيلاء الشهوات على النفس، فأبصر الصائم مواقع النظر له من عبادة الله تعالى بأثوابها وابتدر إليها، ومواقع الضرر الذي يلحقه من معاصي الله تعالى، فاعتزلها وكف عنها.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الصيام فرض مجزى). فيحتمل أن يكون معناه كالزكاة، لأن الزكاة إخراج شيء من المال على التراب الموعود. والصيام بعض شيء من الجسد على التراب الموعود، فكل آخذ منها فرض مجزى.

وأما قوله (شهر الصبر). فيحتمل أن يكون بمعنى تسمية الصيام صبرًا، لأن الصبر في لسان العرب الحبس، والصيام يحبس نفسه عن أشياء جعل الله قوم بدنه بها. فكان مستحقًا لاسم الصبر، وقد قيل في قوله عز وجل {استعينوا بالصبر والصلاة}. وقد يجوز أن يكون المراد جميع جهات الصبر والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>