للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصلون إلى رزق الآخرة -يعني يوم القيامة -وينقضي الحساب ويصارون إلى الجنة، فكانت المقارنة بالجهاد متناقضة من هذا الوجه.

فإن قيل: كيف يجوز أن يقال: أن الصوم مؤد إلى الهلاك وهو منهي عنه إذ خيف الهلاك؟

قيل: هو منهي إذا كان يريد الصوم مجهودًا بمرض أو سفر أو كبر، فيكون الهلاك إذا حدث حادث من مجموع الجهتين: الصوم وغيره. وليس إذا كان التعرض للهلاك بمجرد الصيام قرينة، وجب أن يكون التعرض له بكل شيء مثله. فإن تعريض المال للنقصان بالصدقة قرينة، ولا يجب أن يكون تعريضه بكل شيء قرينة. فإن هذا الذي ورد به الكتاب من وضع الصوم عن المريض، والمسافر والشيخ الكبير يبين ما يجري في تقريره. لأن المريض والمسافر لما رخص لههما في الفطر أمر بالقضاء، ولو لم يكن تعريض البدن للهلاك أو النقصان بالصوم من جملة حقوق الله تعالى على عباده، لأسقط الصوم لا إلى قضاء، كما أسقط الركعتين من المسافر لا إلى قضاء، وأسقط عن المريض القيام لا إلى القضاء. ولما لم يسقط علمنا أنه وضع عنه الصوم وحده لئلا ينقصهما أو يتبعهما اجتماع الصوم وغيره، فلا يكون ما يحدث عليهما من ذلك من الهلاك عن الصوم وحده وهكذا الشيخ الكبير لما وضع عنه الصوم ألزمه الفدية. فكان المسكين للحياة بطعام يؤتيه مقام ما يتركه من تعريضه نفسه للهلاك بالصوم، لأنه لو صام وهلك لم يكن يهلكه الصوم بانفراده هو القاتل له. ولو لم يكن ذلك في معنى المستحق لسقط عنه الصوم بالفدية كالصلاة إذا عجز عنها، ولما كان الصوم إذا عجز عنه سقط إلى الفدية، علمًا أن ذلك إنما كان من الوجه الذي ثبت والله أعلم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم كفارة، والصوم لي). فمعناه ما ذكرت أن جميع الطاعات كفارات، والصيام أيضًا كفارة، لكنه أخص لي لأنه تعرض للجوع كما مضى بيانه.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم القيامة).

<<  <  ج: ص:  >  >>