للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمعناه -والله أعلم -فرحة عند إفطاره لما يجب له من الثواب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل في فرحة يوم القيامة بما يصل إليه منه. فإن ما وجب له من فضل الله لن يخلفه الله إياه.

ويحتمل وجه آخر: وهو أن للصائم فرحتين: إحداهما عند الإفطار، وهو أن يصدق الله تعالى بنفسه عليه عند انسلاخ النهار. ولم يأذن له في وصل الليل بالنهار فيتعجل هلاكه، لكنه زال يعرض بالقيام للهلكة، فقد وعي الله تعالى منه بما دونها أو مثله ليزداد خيرًا وبرًا في أيام مهلته، فله بهذا البر الوارد عليه من الله تعالى فرحة، وما يرد عليه ويوم القيامة من الثواب فرحة.

ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن له فرحة عند إفطاره. وجاء في الحديث من أن للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة، وله يوم القيامة فرحة بالثواب والجزاء وأما ذكر الخلوف، فإنه أطيب عند الله من ريح المسك، فقد يجوز أن يكون معناه أنه ليس في حكم الله تعالى أذى كالخلوف الذي يحدث في غير الصوم، فيأمر بإزالته بالسواك، ولكنه في حكم الطيب الذي يستدام. فقد يدخل في هذا المعنى أن الله تعالى يأمر الصائم عليه لأنه في الطباع من باب الأذى الذي لو خلي المرء فيه واختاره، لكان بر عليه، وإذا صبر عليه ولم يزله أماته الله تعالى به والله أعلم. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس في الصوم رياء) وليس معنى هذا أن المراءاة الصوم لا تمكن، لأن من صام ليقال: قد صام، ثم أخبر الناس بصيامه، فقد رأى به. وإنما معناه أن الصلاة قد لا تكون رياء. ولكن المصلي يرائي بالتخشع فيها وتطويلها وتحسينها. والصدقة قد لا تكون رياء، ولكن المتصدق يرائي بكثرتها وتحسنها ومناولتها السائل بيده ونحو ذلك. والحج قد لا يكون رياء، ولكن الحاج يرائي الإحرام قبل الميقات، والأول أشهر الحج، وإطالة الدعاء وإدمان الوقوف والاستكثار من الطواف بالبيت ونحوه. والجهاد قد لا يكون رياء. ولكن المجاهد يرائي بفضل حذر ظهره في القتال فوق ما يفعله غيره. وأما الصوم كان كله كف وإمساك معقود بالسنة، فإذا سلم أصله من المراءاة سلم عن أن يكون فيه وما بعد ذلك والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>