صدور الأرض على الأعجاز. حتى أدركت القوم، في منتصف اليوم. وإذا جنازة قد أودعوها التراب، وشيخ على دكة قد افتتح الخطاب. فقال: يا كرام المعاشر والعشائر، وأولي الأبصار والبصائر، أرأيتم ما أحرج هذا البيت، وأسمج هذا الميت؟ طالما جد وكد، واشتد واعتد. وركب الأهوال، واحتشد الأموال. فانظروا أين ما جمع، وهل أتى بشيء منه إلى هذا المضجع. وطالما شمخ، وبذخ. وأسرف، واستطرف. وتأنق في الطعام والشراب، واستكرم المهاد والثياب، وتضمخ بالعبير والملاب. فاعتبروا كيف صار جيفة لا تطاق، وكريهة لا تستطيع أن تلحظها الأحداق. فإن كنتم قد ضمنتم الخلود، وأنتم اللحود. فتمتعوا بشهواتكم ملياً، واتركوا ما رأيتم نسياً منسياً. وإلا فالبدار البدار، إلى طرح العالم الغرار. فإن السعيد من نظر إلى دينه دون دنياه، وأخذ الأهبة لأخراه قبل أولاه والشقي من نظر قريباً، فبات خصيباً، وعاش رحيباً، وغفل عن يوم يجعل الولدان شيباً. ثم فاضت عيناه بالدموع، وأطرق برأسه من الخشوع. وأنشد: