وأتينا المدينة في ناشئة الليل. كان يومئذ قد أذن في الناس بالحج، فأتوا رجالاً وعلى كل ضامر من كل فج. فلبثنا يوماً أو بعض يوم، نطو بمحافل القوم. حتى مررنا بلفيف مقرون كأمثال اللؤلؤ المكنون. لما وقف الشيخ بهم قال: سلاماً، ثم قام أمامهم إماماً. وقال: الحمد لله الذي أمر بحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، ووعد عباده المتقين جنات تجري من تحتها الأنهار وعيناً تسمى سلسبيلاً. أما بعد يا معاشر العرب الكرام، وحجاج البيت الحرام. فإن الله لا يرضى بالوذائم والضحايا ممن أصر على الخطايا. ولا بزيارة الحرمين ممن فاه بالنميمة والمين. ولا باستلام الحجر، ممن طغى وفجر. ولا بالطواف حول البيت، من نشاوي الكميت. ولا برمي الجمار، من ذوي الشحناء والأغمار. إن الله ينظر إلى السرائر المكمنة، لا إلى الشفاه والألسنة. وإن حج القلوب خير من حج الأقدام، ولبس التقوى ذلك خير من لباس الإحرام. فاعبدوا الله مخلصين له الدين، ولا تكونوا ممن يعبده على حر فذلك هو الضلال المبين.