غص حتى التفت الساق بالساق. فسلمت تسليم الأريب، ووقفت موقف الغريب. حتى إذا ركد النسيم، وصفت الكأس للنديم. دخل شيخ أغبر الناصية، عليه شعار البادية، وهو قد أخذ بيد فتى ترف البنان كأنه من ولدان الجنان. وقال: أيد الله الأمير، وأبد له السرير. إن هذا الغلام سرق نصف أبيات مدحت بها بعض الأمراء، فتحول المديح فيها إلى الهجاء. ولما بلغته أمر بحبسي إلى أن يسر الله لي بالإطلاق وقد كدت أقتل نفسي. فعليه حق الجناية وقطع السارق وعليك تأديب كل طاغ وفاسق. فقال الأمير: يا هذا قد تقرر في علم الأصول، أن الدعوى لا تصح في المجهول فهات أبياتك التي أغار عليها، فأنشد يقول:
إذا أتيت نوفل بن دارم ... أمير مخزوم وسيف هاشم
وجدته أظلم كل ظالم ... على الدنانير أو الدراهم
وأبخل الأعراب والأعاجم ... بعرضه وسره المكاتم
لا يستحي من لوم كل لائم ... إذا قضى بالحق في الجرائم