١٥٩ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا معنى (ذبح الْمَوْت إِذا اسْتَقر أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة وَأهل النَّار فِي النَّار) مَعَ أَنه عرض عندنَا أَو عدم مَحْض عِنْد الْمُعْتَزلَة وَعَلَيْهِمَا فَهُوَ لَا يُمكن أَن يكون جسماً؟ فَأجَاب بقوله: نظر لذَلِك طَائِفَة ضعفاء الْعُقُول فأنكروا لأَجله الحَدِيث، وَأجَاب الْمُحَقِّقُونَ عَن ذَلِك بِأَن هَذَا من بَاب التَّمْثِيل البليغ، وَبِأَنَّهُ يجوز أَن يخلق الله تَعَالَى هَذَا الْجِسْم ثمَّ يُذْبح ثمَّ يَجْعَل مِثَالا لِأَن الْمَوْت لَا يطْرَأ على أهل الْجنَّة. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يجوز أَن يخلق الله كَبْشًا يُسَمِّيه الْمَوْت ويلقي فِي قُلُوب الْفَرِيقَيْنِ أَن هَذَا الْمَوْت يكون ذبحه دَلِيلا على الخلود فِي الدَّاريْنِ. وَقَالَ غَيره: لَا مَانع أَن ينشىء الله من الْأَعْرَاض أجساماً يَجْعَلهَا مادّة لَهَا. كَمَا ثَبت فِي حَدِيث مُسلم (إِن الْبَقَرَة وَآل عمرَان تجيئان كَأَنَّهُمَا غمامتان) وَنَحْو ذَلِك من الْأَحَادِيث، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
١٦٠ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن معنى: (فَرح أهل الْجنَّة بِذبح الْمَوْت) مَعَ علمهمْ من أَنْبِيَائهمْ وكتبهم أَنهم لَا يموتون؟ فَأجَاب بقوله: ورد فِي بعض طرق الحَدِيث عِنْد ابْن حبَان أَنهم يطلعون خَائِفين أَن يخرجُوا من مكانهم الَّذِي هم فِيهِ، وَفسّر بِأَنَّهُ خوف توهم لَا يسْتَقرّ، وَلَا يُنَافِي ذَلِك تقدم علمهمْ بِأَنَّهُ لَا موت فِي الْآخِرَة لِأَن التوهمات تطرأ على المعلومات ثمَّ لَا تَسْتَقِر فَكَانَ بذلك فَرَحهمْ. وَأجِيب أَيْضا بِأَن عين الْيَقِين أقوى من علم الْيَقِين فمشاهدتهم ذبح الْمَوْت أقوى وَأَشد فِي إنتفائه من تقدم علمهمْ إِذْ العيان أقوى من الْخَبَر.
١٦١ - وَسُئِلَ نفع الله بِعُلُومِهِ: عَن معمر المغربي ورتن الْهِنْدِيّ المدعيين أَنَّهُمَا من الصَّحَابَة هَل لذَلِك صِحَة؟ فَأجَاب بقوله: لَا صِحَة لذَلِك كَمَا بَينته أَئِمَّة الحَدِيث مِنْهُم الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان وَشَيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر فِي (الْإِصَابَة) وَأفْتى بِهِ غير مرّة، وَقد ذكر أهل الحَدِيث وَغَيرهم أَن مَنْ ادّعى الصُّحْبَة بعد مضيّ مائَة سنة من وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ كَاذِب، وَإِن آخر الصَّحَابَة موتاكما فِي مُسلم وَاتفقَ عَلَيْهِ الْعلمَاء أَبُو الطُّفَيْل مَاتَ سنة عشرَة وَمِائَة من الْهِجْرَة.
١٦٢ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ وبعلومه: عَمَّا وَقع فِي (تَهْذِيب النَّوَوِيّ) : وَأما مَا رُوِيَ عَن بعض الْمُتَقَدِّمين لَو عَاشَ إِبْرَاهِيم لَكَانَ نَبيا فَبَاطِل، وجسارة على الْكَلَام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عَظِيم فَهَل مَا قَالَه صَحِيح؟ فَأجَاب بقوله رَحمَه الله: قد تعجب مِنْهُ شيخ الْإِسْلَام فِي (الْإِصَابَة) وَقَالَ: إِنَّه ورد عَن ثَلَاث من الصَّحَابَة وَلَا يظنّ بالصحابي أَنه هجم على مثل هَذَا بظنه، وَبَين الْحَافِظ السُّيُوطِيّ أَنه صَحَّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ (أَنه سُئل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ابْنه إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا أَدْرِي رَحْمَة الله على إِبْرَاهِيم لَو عَاشَ لَكَانَ صديقا نَبيا) . وَفِي رِوَايَة عَن أنس أَنه رفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَرَوَاهُ ابْن مَنْدَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَرَوَاهُ ابْن عَسَاكِر عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأخرج أَيْضا وَقَالَ فِيهِ من لَيْسَ بِالْقَوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب:(لما توفى إِبْرَاهِيم أرسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أمه مَارِيَة فَجَاءَتْهُ وغسَّلته وكفَّنته وَخرج بِهِ وَخرج النَّاس مَعَه فدفنه، وَأدْخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي قَبره فَقَالَ: أما وَالله إِنَّه لنَبِيّ ابْن نَبِي وَبكى وَبكى الْمُسلمُونَ حوله حَتَّى ارْتَفع الصَّوْت، ثمَّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تَدْمَع الْعين ويحزن الْقلب وَلَا نقُول مَا يُغضب الرب وَإِنَّا عَلَيْك يَا إِبْرَاهِيم لَمَحْزُونُونَ) . وروى أَبُو دَاوُد:(أَنه مَاتَ وعمره ثَمَانِيَة عشر شهرا فَلم يصل عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) صَححهُ ابْن حزم. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: اعتل من سلَّم ترك الصَّلَاة عَلَيْهِ بعلل: مِنْهَا: أَنه اسْتغنى بفضيلة أَبِيه عَن الصَّلَاة كَمَا اسْتغنى الشَّهِيد بفضيلة الشَّهَادَة، وَمِنْهَا: أَنه لَا يُصَلِّي نبيّ على نَبِي، وَقد جَاءَ (لَو عَاشَ لَكَانَ نَبينَا) انْتهى. وَلَا بعد فِي إِثْبَات النُّبُوَّة لَهُ مَعَ صغره لِأَنَّهُ كعيسى الْقَائِل يَوْم ولد:{تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأٌّرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً}[مَرْيَم: ٩٠] . وكيحيى الَّذِي قَالَ تَعَالَى فِيهِ:{فَخَرَجَ عَلَىاقَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىاإِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً}[مَرْيَم: ١١] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: نبىء وعمره ثَلَاث سِنِين وَاحْتِمَال نزُول جِبْرِيل بِوَحْي لعيسى أَو يحيى يجْرِي فِي إِبْرَاهِيم، ويرجحه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صوَّمه يَوْم عَاشُورَاء وعمره ثَمَانِيَة أشهر. وَذكر السُّبْكِيّ فِي حَدِيث:(كنت نَبيا وآدَم بَين الرّوح والجسد) إِن الْإِشَارَة بذلك إِلَى روحه لِأَن الْأَرْوَاح خلقت قبل الأجساد أَو إِلَى حَقِيقَته والحقائق تقْصُر عقولنا عَن مَعْرفَتهَا،