حلق الْجنَّة فَيفتح الله لي وَمَعِي فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ، وَأَنا أكْرم الْأَوَّلين والآخرين وَلَا فَخر) فَقَوله:(لَيْسَ أحد من الْمَلَائِكَة يقوم ذَلِك الْمقَام غَيْرِي) وَقَوله: (وَأَنا أكْرم الْأَوَّلين والآخرين) الشَّامِل للْمَلَائكَة والنبيين وَغَيرهم صريحان فِي أفضليته على سَائِر الْخلق كَمَا هُوَ جليّ. وَسبق أَن قَوْله تَعَالَى فِي قصَّة آدم السَّابِقَة فِي الحَدِيث الصَّحِيح (لأحبّ الْخلق إليّ) صَرِيح فِي ذَلِك أَيْضا، وَيُوَافِقهُ مَا نَقله الإِمَام البُلْقِينِيّ عَن بعض الْمُحدثين وَقَالَ لَا يضرُّ عدم ذكره لسندها لِأَنَّهُ من الْأَئِمَّة الْمُحدثين الَّذين اطلعوا على جملَة من كَثْرَة الْأَحَادِيث على أَنَّهَا إِنَّمَا سيقت شَوَاهِد لما تقرر. فَمن جملَة مَا نَقله ذَلِك الْمُحدث أَنه قَالَ: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَن الله تَعَالَى أَنه قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قد مَنَنْتُ عَلَيْك بسبعة أَشْيَاء أَولهَا أَنِّي لم أخلق فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض أكْرم عليّ مِنْك) . وَعنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(قَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أبشر فَإنَّك خَيْرُ خَلْقِهِ وصفوته من الْبشر حباك الله بِمَا لم يَحْبُ بِهِ أحدا من خلقه، لَا ملكا مقرّباً وَلَا نَبيا مُرْسلا، وَلَقَد قرَّبك الرَّحِمان إِلَيْهِ مِنْ قْرْب عَرْشه مَكَانا لم يصل إِلَيْهِ أحد من أهل السَّمَوَات وَلَا من أهل الأَرْض فهناك الله بكرامته وَمَا حباك بِهِ) قَالَ: وَفِي الحَدِيث الْمَعْلُوم: (أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تقدم ووقف جِبْرِيل فِي مقَامه وَأَن ملكا آخر تلقى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ لَهُ تقدم يَا مُحَمَّد فَقلت لَا بل تقدم أَنْت فَقَالَ يَا مُحَمَّد تقدم أَنْت فَأَنت أكْرم على الله مني) . وَفِي حَدِيث سَواد الْمَشْهُور (يَا خير مُرْسَل) وَهُوَ يعم الْمَلَائِكَة؟ لأَنهم رسل الله أَيْضا. وصحّ فِي خبر بحيراء الْمَشْهُور: هَذَا سيد الْمُرْسلين وصحّ عِنْد الْحَاكِم عَن بشر بن شَغَاف قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد عبد الله بن سَلام فِي الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة، فَقَالَ عبد الله بن سَلام: إنَّ أعظم أَيَّام الدُّنْيَا يَوْم الْجُمُعَة، فِيهِ خلق الله آدم وَفِيه تقوم السَّاعَة، وَإِن أكْرم خَلِيقَة الله على الله أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: قلت رَحِمك الله فَأَيْنَ الْمَلَائِكَة؟ قَالَ: فَنظر إليّ وَضحك وَقَالَ يَا ابْن أخي هَل تَدْرِي مَا الْمَلَائِكَة إِنَّمَا الْمَلَائِكَة خَلْق كخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وخَلْق الرِّيَاح وخَلْق الرِّيَاح وخَلْق السَّحَاب وَخلق الْجبَال وَسَائِر الْخلق الَّتِي لَا يعظُم على الله مِنْهَا شَيْء، وَإِن أكْرم الْخلق على الله أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمثل هَذَا لَا يكون من قبل الرَّأْي فَإِذا صدر من ابْن سَلام وَهُوَ من أكَابِر الصَّحَابَة وَصَحَّ عَنهُ صَار كَأَنَّهُ صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا مر عَن الْأَئِمَّة، وَلَا نظر إِلَى احْتِمَال أَنه قَالَه عَن التَّوْرَاة لِأَنَّهُ كَانَ من أَحْبَار الْيَهُود لِأَن الحجَّة بِهِ قَائِمَة بِهَذَا الْغَرَض أَيْضا لِأَن ابْن سَلام من أكَابِر الصَّحَابَة ومؤمني أهل الْكتاب، فَإِذا نقل ذَلِك عَن التَّوْرَاة كَانَ الْحجَّة فِيهِ لِأَنَّهُ يعلم مبدلها من غَيره كَمَا صَحَّ عَنهُ فِي قصَّة رجم الزَّانِيَيْنِ وتصديق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بقوله:(إِن ذَلِك فِي التَّوْرَاة) قَالَ البُلْقِينِيّ: وَقد جَاءَ عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ذَلِك وَلَا يعرف خلاف بَين الصَّحَابَة فِي ذَلِك وَلَا بَين التَّابِعين، وَبشر بن شغَاف إِنَّمَا قَالَ فَأَيْنَ الْمَلَائِكَة؟ يستفهم ويَسْتَثْبتْ إِظْهَار مُقْتَضى الْعُمُوم فِي ذَلِك وَلَا نَعْرِف أحدا من الْأَئِمَّة خَالفه فِي أَن النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْخلق. وَالَّذِي ذكر عَن الْمُعْتَزلَة والباقلاني والحليمي من تَفْضِيل الْمَلَائِكَة العلوية على الْأَنْبِيَاء يُمكن حمله على غير نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي كَمَا نَقله الْمُتَأَخّرُونَ عَن بعض الأكابر من الْمُتَقَدِّمين واعتمدوه، وَلَا نظر لجراءة الزَّمَخْشَرِيّ وتصريحه فِي سُورَة التكوير بأفضلية جِبْرِيل عَلَيْهِ، وَيُمكن حمل كَلَام الباقلاني والحليمي على تَفْضِيل فِي نوع خَاص كاستمرارهم على التَّسْبِيح وَنَحْوه، وَأما التَّفْضِيل الْمُطلق بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع أَنْوَاع الْعِبَادَات فَإِنَّهُ للأنبياء على غَيرهم ثمَّ لنبينا عَلَيْهِم، وَنَظِير ذَلِك (أقرؤكم أبي) . أَمِين هَذِه الْأمة أَبُو عُبَيْدَة. مَا أقلت الغبراء وَلَا أظلت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذَر) . فالتفضيل فِي هَذِه الْأَنْوَاع الْخَاصَّة لَا يُعَارض أَفضَلِيَّة الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم فِي سَائِر الْأَنْوَاع على أُولَئِكَ وَغَيرهم. وَأما قَول ذَلِك الْمُعْتَرض: وَمَسْأَلَة تَفْضِيل صالحي الْبشر على الْمَلَائِكَة. أجَاب عَنْهَا أَبُو حنيفَة وَغَيره بِلَا أَدْرِي، فَيُقَال عَلَيْهِ هَذِه رِوَايَة عَنهُ، وَله رِوَايَة أُخْرَى بتفضيل الْأَنْبِيَاء على الْمَلَائِكَة، وَالْمُعْتَمد عِنْد عُلَمَاء الْحَنَفِيَّة أنَّ خواصي بني آدم وهم المُرْسَلُونَ أفضل من جملَة الْمَلَائِكَة، والأنبياء غير الْمُرْسلين أفضل من غير خَواص الْمَلَائِكَة، والخواص من الْمَلَائِكَة أفضل من غير الْمُرْسلين، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة فنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من الْمَلَائِكَة وَلَا يظنّ بِأبي حنيفَة وَلَا بِغَيْرِهِ من أَئِمَّة الْمُسلمين أَنه يتَوَقَّف فِي تَفْضِيل نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمَلَائِكَة، وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ