للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَضِي الله عَنهُ كَمَا أخرجه عَنهُ ابْن أبي حَاتِم: (لم ينزل وَحي إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ ترْجم كل نَبِي لِقَوْمِهِ) لَكِن فِيهِ نظر لخَبر. (أول من فتق لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ إِسْمَاعِيل) . وَأخرج أَحْمد فِي (تَارِيخه) عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النبوّة وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة فقرن بنبوّته إسْرَافيل ثَلَاث سِنِين فَكَانَ يُعلمهُ الْكَلِمَة وَالشَّيْء وَلم ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن على لِسَانه، فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين قرن بنبوّته جِبْرِيل فَنزل عَلَيْهِ الْقُرْآن على لِسَانه عشْرين سنة، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوفق للصَّوَاب.

٢١٩ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن قَول أهل السّنة للْعَبد فِي فعله نوع اخْتِيَار هَل يُعَارض قَوْله تَعَالَى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ} [الْقَصَص: ٦٨] ؟ فَأجَاب بقوله: لَا يُعَارضهُ؛ فَإِن الِاخْتِيَار إِمَّا بِمَعْنى الْقُدْرَة والإرادة وَهُوَ مَا فِي الْآيَة، وَإِمَّا بِمَعْنى قصد الْفِعْل والميل إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي فِي كَلَام أهل السّنة. وَالْحَاصِل أَن الله تَعَالَى خلق للْعَبد قدرَة بهَا يمِيل وَيفْعل فالخلق من الله والميل وَالْفِعْل من العَبْد صادران عَن تَقْدِير الله لَهُ ذَلِك فهما أثر الْخلق وَالْقُدْرَة، فالاختيار الْمَنْسُوب للْعَبد المفسَّر بِمَا ذكر هُوَ أثر الِاخْتِيَار الْمَنْسُوب إِلَى الله تَعَالَى فَافْتَرقَا وَلَا إِنْكَار فِي ذَلِك وَلَا مُعَارضَة لِلْآيَةِ، وَبِهَذَا يتَمَيَّز أهل السّنة عَن فرقتي الْقَدَرِيَّة والجبرية. وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي (تَفْسِيره) عِنْد قَوْله تَعَالَى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِى طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الْأَنْعَام: ١١٠] : اعْلَم أَن كل فعل صدر من العَبْد بِالِاخْتِيَارِ فَلهُ اعتباران إنْ نظرت إِلَى وجوده وحدوثه وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من وُجُوه التَّخْصِيص فانسب ذَلِك إِلَى قدرَة الله تَعَالَى وإرادته لَا شريك لَهُ، وَإِن نظرت إِلَى تَمْيِيزه عَن القَسْري الضَّرُورِيّ فانسبه من هَذِه الْجِهَة إِلَى العَبْد وَهِي النِّسْبَة الْمعبر عَنْهَا شرعا بِالْكَسْبِ فِي قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُم وَلَا تُسْئَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الْبَقَرَة: ١٣٤] وَقَوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: ٣٠] وَهِي المحققة أَيْضا، إِذا فرضت فِي ذهنك الحركتين الاضطرارية كالرعشة والاختيارية فَإنَّك تميز بَينهمَا لَا محَالة بِتِلْكَ النِّسْبَة. فَإِذا تقرر تعداد الِاعْتِبَار فمذهبهم فِي الطغيان مَخْلُوق لله تَعَالَى فإضافته إِلَيْهِم من حَيْثُ كَونه وَاقعا مِنْهُم على وَجه الِاخْتِيَار الْمعبر عَنهُ بِالْكَسْبِ إِضَافَة إِلَيْهِم انْتهى.

٢٢٠ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا مُحَصل الْكَلَام فِي بَعثه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَلَائِكَة وَدَلِيل كل من الْجَواب عَنهُ أَو لَا؟ فَأجَاب بقوله: للْعُلَمَاء فِي ذَلِك قَولَانِ. أَحدهمَا: أَنه لم يبْعَث إِلَيْهِم، وَبِه جزم الْحَلِيمِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من إئمتنا ومحمود بن حَمْزَة الْكرْمَانِي من الْحَنَفِيَّة. وَنقل الرَّازِيّ والنسفي فِي تفسيريهما الْإِجْمَاع عَلَيْهِ لَكِن بِصِيغَة مُحْتَملَة لِأَن يكون المُرَاد بِهِ إِجْمَاع الْخَصْمَيْنِ على أَنَّهُمَا ليسَا مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِمَا فِي نقل الْإِجْمَاع كَمَا بَينه بعض الْمُحَقِّقين، وَجزم بِهِ من الْمُتَأَخِّرين الْحَافِظ الزين الْعِرَاقِيّ والجلال الْمحلى. وَالثَّانِي: أَنه مَبْعُوث إِلَيْهِم وَرجحه التقي السُّبْكِيّ وَزَاد: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسل إِلَى جَمِيع الْأَنْبِيَاء والأمم السَّابِقَة، وَأَن قَوْله: (بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة) شَامِل لَهُم من لدن آدم إِلَى قيام السَّاعَة وَرجحه أَيْضا الْبَارِزِيّ وَزَاد أَنه مُرْسل إِلَى جَمِيع الْحَيَوَانَات والجمادات، وَاسْتدلَّ بِشَهَادَة الضبّ لَهُ بالرسالة وَشَهَادَة الشّجر وَالْحجر لَهُ. قَالَ الْجلَال السُّيُوطِيّ: وَأَنا أَزِيد على ذَلِك أَنه مُرْسل إِلَى نَفسه، وَاسْتدلَّ الْجلَال لِلْقَوْلِ الثَّانِي مَعَ أَنه تنَاقض كَلَامه فِي كتبه فتبع فِي بَعْضهَا الْقَائِل بالأوّل وَفِي بَعْضهَا الْقَائِلين بِالثَّانِي بِأُمُور لَا يَخْلُو أَكْثَرهَا عَن نظر وَاضح. مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الْفرْقَان: ١] وَالْعَالمِينَ شَامِل للْمَلَائكَة، فإخراجهم مِنْهُ يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَلم يُوجد وَدَعوى الْإِجْمَاع مَرْدُودَة. وَمِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّى إِلَاهٌ مِّن دُونِهِ فَذالِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} [الْأَنْبِيَاء: ٢٩] المُرَاد الْمَلَائِكَة كَمَا قَالَه أَئِمَّة التَّفْسِير، وحينئذٍ فَهَذِهِ الْآيَة إنذار لَهُم على لِسَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقُرْآن الَّذِي أنزل عَلَيْهِ، وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاٌّنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ} [الْأَنْعَام: ١٩] وَقد بلغ الْمَلَائِكَة فَثَبت بذلك إرْسَاله إِلَيْهِم، وَحِكْمَة إرْسَاله إِلَيْهِم وَاضِحَة لِأَن غَالب الْمعاصِي رَاجِعَة للبطن والفرج وَذَلِكَ مُمْتَنع عَلَيْهِم من حَيْثُ الْخلقَة فاستغنى عَن إِنْذَارهم فِيهِ، وَلما وَقع من إِبْلِيس لَعنه الله وَكَانَ مِنْهُم أَو فيهم نَظِير هَذِه الْمعْصِيَة أنذروا فِيهَا.

وَمِنْهَا: أَن كثيرا من الْآثَار وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَغَيرهَا تدل على أَن الْمَلَائِكَة مِنْهُم من تصلي فِي السَّمَاء بصلاتنا وَيُؤذن بأذاننا، وَمِنْهُم من ينزل ويحضر صَلَاة الْفجْر وَالْعصر ويصليهما مَعنا فِي مَسَاجِدنَا.

وَمِنْهَا: مَا أخرجه سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَوْقُوفا، وَالْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن سلمَان مَرْفُوعا قَالَ: (إِذا كَانَ الرجل فِي أَرض فَأَقَامَ الصَّلَاة صلى خَلفه ملكان فَإِذا أذن وَأقَام صلى خَلفه من الْمَلَائِكَة مَا لَا يرى طرفاه يَرْكَعُونَ بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دُعَائِهِ) وَفِي رِوَايَة عَن ابْن الْمسيب

<<  <   >  >>