للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَقُولُونَ {مَا نعبدهم إِلَّا ليقربونا إِلَى الله زلفى} أما الهان تامان فَلم يقل بِهِ أحد من الْملَل فَمَا قَالُوا بِهِ لَا تبطله الْآيَة وَمَا تبطله الْآيَة لم يَقُولُوا بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْله وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض قيل الْحق لله عز وَجل وَقيل الْقُرْآن وأياما كَانَ فالملازمة مشكلة انْتهى (فَأجَاب) ختم الله لَهُ بِالْإِسْلَامِ وأدام عَلَيْهِ هُوَ اطل الْجُود والإنعام بقوله قد استروح الْعِزّ ببنائه إشكاله على قَوْله وهم لم يدعوا ذَلِك وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ لَا ينْتج لَهُ إشْكَالًا أما أَولا فَإنَّا نقُول لَيْسُوا كلهم يَقُولُونَ {مَا نعبدهم} الْآيَة بل مِنْهُم من أثبت آلِهَته فَقَط وَمِنْهُم من شرك وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ مِنْهُم من زعم أَن آلِهَته أكمل من الله تَعَالَى لما مر عَنْهُم فِي قَوْله ردا عَلَيْهِم {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} وَمِنْهُم من عكس وهم الْقَائِلُونَ {مَا نعبدهم} وَأما ثَانِيًا فلئن سلمنَا لَهُ ذَلِك وَأَنَّهُمْ لم يَدعُوهُ إِلَّا أَنه لَازم لقَولهم ولازم الْمَذْهَب مَذْهَب بِالنِّسْبَةِ لإِقَامَة الدَّلِيل على إِبْطَاله اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه هَل يحكم بِأَن الْقَائِل بالملزوم قَائِل بِهِ أَو لَا فَلَمَّا لزم من تسميتهم نَحْو الْأَصْنَام المنحوتة المتخذة من الأَرْض آلِهَة لَزِمَهُم أَنَّهَا تقدر على جَمِيع الممكنات إِذْ من لَوَازِم الْإِلَه الاقتدار على ذَلِك نسب الله تَعَالَى إِلَيْهِم ذَلِك وَإِن لم يصرحوا بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} أَي ينشرون الْمَوْتَى دون غَيرهم كَمَا أَفَادَهُ الضَّمِير الموهم لاخْتِصَاص الانتشار بهم ثمَّ لما تقرر أَن تسميتهم إِيَّاهَا آلِهَة يلْزمهَا الاقتدار على جَمِيع الممكنات بَين الله تَعَالَى أَن هَذَا اللَّازِم إِن لم يُوجد فِيهَا فَهِيَ غير آلِهَة وَإِن وجد فِيهَا لزم التمانع الْمُقْتَضِي للْفَسَاد فَقَالَ تَعَالَى {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} أَي لخرجتا عَن نظامهما التَّام الْمشَاهد لما يكون بَينهمَا عَادَة من الِاخْتِلَاف والتمانع الْمُقَرّر فِي مَحَله وَفرض اتِّفَاقهمَا عقلا لَا يعول عَلَيْهِ فِي الْأَدِلَّة القرآنية كَمَا قرر فِي مَحَله أَيْضا إِذا تقرر ذَلِك علم اندفاع قَول الْعِزّ وَهَذَا لَا يُبطلهُ كَيفَ لَا وَقد علمت أَن إِبْطَاله أَمر وَاضح جلي لما قَرّرته أَنهم سموا نَحْو أصنامهم آلِهَة فإمَّا أَن يَقُولُوا مَعَ ذَلِك أَنَّهَا لَا تقدر على شَيْء فَيبْطل حِينَئِذٍ ألوهيتها فعلى كل تَقْدِير يبطل اتخاذهم لتِلْك الْآلهَة إِمَّا بِغَيْر دَلِيل بِأَن يعترفوا بِالْأولِ أَعنِي بِأَنَّهَا لَا تقدر على شَيْء أَو بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ تَعَالَى عَلَيْهِم إِن اعْتَرَفُوا بِأَنَّهَا تقدر على جَمِيع الممكنات وَمن تَأمل إِيرَاد الْأَدِلَّة بِأَن على الْمُسْتَدلّ أَن يبطل جَمِيع مَا يَقُوله خَصمه وَإِن لم يقل بِبَعْضِهَا علم أَن الْآيَة وَارِدَة على أكمل الاستدلالات وأتقن الْبَرَاهِين وَقَوله فَلم يقل بِهِ أحد من أهل الْملَل مَمْنُوع لأَنهم وَإِن لم يَقُولُوا بِهِ صَرِيحًا هم قَائِلُونَ بِهِ استلزاما فعلى الْمُسْتَدلّ إِبْطَاله لِأَنَّهُ لَازم قَوْلهم وَحِينَئِذٍ فَبَطل قَوْله فَمَا قَالُوا بِهِ لَا تبطله الْآيَة وَمَا تبطله الْآيَة لم يَقُولُوا بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْله وأياما كَانَ فالملازمة مشكلة وَبَيَانه أَنه لَا إِشْكَال فِيمَا لما قَرَّرْنَاهُ إِذْ الْحق لَو اتبع أهواءهم بِأَن كَانَ فِي الْوَاقِع الهة شَتَّى لفسد الْعَالم كَمَا تقرر فِي أَو كَانَ فيهمَا آلِهَة الا الله لفسدتا وَفسّر بَان الْحق لَو اتبع اهواءهم وانقلب بَاطِلا لذهب مَا قَامَ بِهِ الْعَالم من نظامه فَلَا يبْقى وَبَان الْحق الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - لَو اتبع أهواءهم وانقلب شركا لجاء الله بالقيامة وَأهْلك الْعَالم لفرط غَضَبه وعَلى كل من هذَيْن فَلَا إِشْكَال فِي الْمُلَازمَة أَيْضا هَذَا وَمن طعن فِي دلَالَة التمانع فسر الْآيَة بِأَن المُرَاد لَو كَانَ فِي السَّمَاء وَالْأَرْض آلِهَة كَمَا تَقولُونَ بإلهيتها يَا عَبدة الْأَوْثَان لزم فَسَاد الْعَالم لِأَنَّهَا جمادات لَا تقدر على تَدْبِير الْعَالم فَيلْزم فَسَاد الْعَالم قَالُوا وَهَذَا أولى لانه تَعَالَى حكى عَنْهُم قَوْله أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون ثمَّ ذكر الادلة على فَسَاد هَذَا فَوَجَبَ أَن يخْتَص الدَّلِيل بِهِ وعَلى هَذَا التَّقْرِير لَا يتَوَجَّه سُؤال عز أصلا (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ عَمَّا سَأَلَ الْعِزّ عَنهُ أَيْضا فِي أَمَالِيهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين ففهمناها سُلَيْمَان} فَقَالَ فِيهِ سؤالان أَحدهمَا أَن المُرَاد بِالشَّهَادَةِ هُنَا الْعلم فَمَا فَائِدَة ذكره وَلَيْسَ مَحل التمدح بِالْعلمِ لِأَن الله تَعَالَى لَا يتمدح بِعلم جزئي وَلَيْسَ السِّيَاق سِيَاق تهديد أَو ترغيب حَتَّى يكون ذكر الْعلم للمجازاة على الْفِعْل كَقَوْلِك عرفت صنعك الثَّانِي أَن الْحَرْث كَانَ كرما فَقضى دَاوُد أَولا بِأَن الْغنم لصَاحب الْكَرم وَحكم سُلَيْمَان ثَانِيًا بِأَن الْغنم تسلم لصَاحب الْكَرم ينْتَفع بأصوافها وَأَلْبَانهَا وَيسلم الْكَرم لصَاحب الْغنم يصلحه فَإِذا صلح عَادَتْ الْغنم لِرَبِّهَا وَالْكَرم لرَبه فَحكم دَاوُد لَو وَقع فِي شريعتنا لم يكن ثمَّ مَا يَقْتَضِي فَسَاده لِأَن الإرش يجوز أَن يكون قدر قيمَة الْغنم وصاحبها مُفلس فَدفع قيمَة الْغنم لمستحقها وَحكم سُلَيْمَان لَو وَقع فِي شريعتنا لم يَصح وشريعتنا هِيَ

<<  <   >  >>