للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

لقيمة الْغنم وَكَانَ عِنْده أَن الْوَاجِب فِي ذَلِك الضَّرَر أَن يزَال بِمثلِهِ من النَّفْع فَلَا جرم سلم الْغنم إِلَى المحق عَلَيْهِ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فِي العَبْد إِذا جنى على النَّفس يدْفع الْمولى ذَلِك أَو يفْدِيه وَأما سُلَيْمَان فَكَانَ اجْتِهَاده أدّى إِلَى أَنه يجب مُقَابلَة الْأُصُول بالأصول والزوائد بالزوائد وَأما مُقَابلَة الْأُصُول بالزوائد فَغير جَائِزَة لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الحيف وَلَعَلَّ مَنَافِع الْغنم فِي تِلْكَ السّنة كَانَت موازية لمنافع الْكَرم فَحكم بِهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَن غصب عبدا فأبق من يَده أَنه يضمن الْقيمَة فينتفع بهَا الْمَغْصُوب مِنْهُ بِإِزَاءِ مَا قوّته الغاضب من مَنَافِع العَبْد فَإِذا ظهر ترادا وَاسْتدلَّ الْقَائِلُونَ بِأَن الْمُصِيب من الْمُجْتَهدين وَاحِد بقوله {ففهمناها سُلَيْمَان} إِذْ لَو أصَاب كل مِنْهُمَا لم يكن لتخصيص سُلَيْمَان بالتفهيم فَائِدَة وَبِأَن الْكل مصيبون بقوله وكلا آتَيْنَا حكما وعلما ورد الاستدلالان أما الأول فَلِأَنَّهُ لم يقل فهمه الصَّوَاب فَيحْتَمل أَنه فهمه النَّاسِخ وَلم يفهمهُ لداود بِأَن لم يبلغهُ وكل مُصِيب فِيمَا حكم بِهِ على أَن أَكثر مَا فِي الْآيَة أَنَّهَا دَالَّة على أَنَّهُمَا مَعًا لم يَكُونَا مصيبين وَذَلِكَ لَا يُوجب أَن يَكُونَا فِي شرعنا كَذَلِك وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ تَعَالَى لم يقل حكما وعلما بِمَا حكما بِهِ بل يجوز أَن يكون حكما وعلما بِوُجُوه الِاجْتِهَاد وطرق الْأَحْكَام على أَنه لَا يلْزم من كَون كل مُجْتَهد مصيبا فِي شَرعه أَن يكون كَذَلِك فِي شرعنا وَاعْلَم أَن الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله قَالَ أَن هَذِه الْآيَة محكمَة والقضاة يقضون بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ورد بقول كثير أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاع ثمَّ اخْتلفُوا فِي حكمه فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِن كَانَ بِالنَّهَارِ لَا ضَمَان لتقصير صَاحب الْحَرْث أَو لَيْلًا فَالضَّمَان لتقصير صَاحب الْمَاشِيَة لِأَن الْفَرْض أَنَّهَا بِمحل جرت الْعَادة بانسيابها نَهَار أَو حفظهَا لَيْلًا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا ضَمَان مُطلقًا حَيْثُ لم يَتَعَدَّ صَاحبهَا بِالْإِرْسَال لقَوْله - صلى الله عليه وسلم - العجماء جَبَّار واستدلال الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِأَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قضى بِأَن حفظ الحوائط بِالنَّهَارِ على أَهلهَا وَأَن على أهل الْمَاشِيَة مَا أصَاب ماشيتهم بِاللَّيْلِ إِذا تقرر ذَلِك فَاعْلَم أَن قَول الْعِزّ فَمَا فَائِدَة ذكره وَلَيْسَ الخ يُجَاب عَنهُ بِأَن لَهُ فَائِدَة وَاضِحَة وَهِي إِفَادَة أَن اخْتِلَاف النَّبِيين الجليلين صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا وَسلم فِي الحكم فِي هَذِه الْقَضِيَّة الْوَاحِدَة لم يصدر عَن هوى وَلَا حدس وَإِنَّمَا صدر إِمَّا عَن نَص وَالثَّانِي نَاسخ للْأولِ كَمَا تقرر أَو اجْتِهَاد وَالثَّانِي أرجح كَمَا تقرر أَيْضا فَلَمَّا كَانَ الْخلاف مَظَنَّة الْخَوْض فِي الْمُخْتَلِفين الْمُؤَدى إِلَى استنقاص أَحدهمَا أَو كليهمَا رد الله هَذِه المظنة وَبَين أَنَّهَا منفية عَنْهُمَا بِأَنَّهُ تَعَالَى عَالم بحكمهما علما مَخْصُوصًا وَمن ثمَّ عبر عَنهُ بالشهود الَّذِي هُوَ أخص من مُطلق الْعلم لِأَنَّهُمَا إِن صَدرا عَن نصين فَوَاضِح أَو اجتهادين فَهُوَ تَعَالَى أَقَامَ فِي وجود كل وَاحِد حجَّة ألجأته إِلَى مَا قضى بِهِ فَعبر تَعَالَى عَن ذَلِك بِحُضُورِهِ لحكميهما وَمر أَن بَعضهم اسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة على أَن كل مُجْتَهد مُصِيب وَأخذ وَجه الدّلَالَة مِنْهَا فَذَلِك بِمَا ذكرته أولى من أَخذه من قَوْله {وكلا آتَيْنَا حكما وعلما} لِأَنَّهُ مَرْدُود كَمَا مر وَقَوله وَلَيْسَ الخ يفهم أَن ذكر الله تَعَالَى لعلمه لَا يكون إِلَّا لما ذكره وَهُوَ مَمْنُوع وَقَوله الثَّانِي إِلَى الخ رتب إشكاله فِيهِ على مُقَدمَات ستدفع وباندفاعها ينْدَفع الْإِشْكَال من أَصله فَلَا يحْتَاج لجواب وَبَيَان ذَلِك أَن قَوْله لم يكن ثمَّ مَا يقتضى فَسَاده إِن أَرَادَ بِنَفْي مقتضيه فِي شريعتنا أَن مجتهدي شريعتنا أَجمعُوا على أَنه سَائِغ فَمَمْنُوع كَيفَ وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَا يضمن فَسَاد الْبَهِيمَة مُطلقًا ويستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم - العجماء جَبَّار على أَنه لَو قَالَ بتضمين إِتْلَاف الْبَهِيمَة لقَالَ بِهِ نَظِير مَا مر عَنهُ فِي العَبْد الْجَانِي وَالْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول فِي غير هَذِه المسئلة بِمَا قضى بِهِ سُلَيْمَان كَمَا مر أَيْضا على أَنه غير صَحِيح فِي مَذْهَبنَا لَو سلم لَهُ مَا قَالَه من أَنه مُفلس لِأَن الْأَرْش يَعْنِي قيمَة الْمُتْلف إِنَّمَا يجب من النَّقْد الْغَالِب وَالْغنم لَيست مِنْهُ وَالْقَاضِي لَا يجوز لَهُ أَن يعْطى غَرِيم الْمُفلس مَا لَهُ إِلَّا إِن كَانَ من جنس حَقه وَكَانَ الْإِعْطَاء أحظ من البيع وَأما إِذا لم يُوجد ذَلِك فَلَا يجوز إِعْطَاؤُهُ مَال الْمُفلس بل يلْزمه بَيْعه بِثمن الْمثل حَالا من نقد الْبَلَد وَإِعْطَاء قيمَة متلفه من ثمنه فَبَان أَن إِعْطَاء دَاوُد عين الْغنم فِي قيمَة مَا أتْلفه غير صَحِيح فِي مَذْهَبنَا أَيْضا وَإِذا اندفعت هَذِه الْمُقدمَة من كَلَام الْعِزّ لم يتَوَجَّه إِشْكَال أصلا وَقَوله وَحكم سُلَيْمَان لَو وَقع فِي شريعتنا لما صَحَّ أَن أَرَادَ بِنَفْي صِحَّته فِي شريعتنا أَن أحدا من الْمُجْتَهدين من هَذِه الْأمة لم يره مَمْنُوع كَيفَ وَالْحسن الْبَصْرِيّ من أكابرهم قَائِل بِهِ كَمَا مر وَقد مر أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَائِل بنظيره فِيمَن غصب عبدا

<<  <   >  >>