للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النارين فَإِن هَذَا لَا يعرفهُ كل أحد فَمن ثمَّ نبه - صلى الله عليه وسلم - جَريا على عَادَته الْكَرِيمَة من تنبيهه أمته على الْأَشْيَاء الْخفية الَّتِي لَا يهتدى إِلَيْهَا إِلَّا بِنَوْع تَوْقِيف وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم (وَسُئِلَ) رَضِي الله عَنهُ بِمَا لَفظه نقل شيخ الْإِسْلَام الزين الْعِرَاقِيّ فِي تَخْرِيجه أَحَادِيث الْإِحْيَاء عَن أَحْمد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي حَدِيث الاستخارة الْمَشْهُور هَذَا حَدِيث مُنكر مَعَ أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ كَانَ - صلى الله عليه وسلم - يعلمنَا الاستخارة فِي الْأُمُور كلهَا كالسورة من الْقُرْآن يَقُول إِذا هم أحدكُم بِأَمْر فليركع رَكْعَتَيْنِ من غير الْفَرِيضَة ثمَّ ليقل اللَّهُمَّ إِنِّي أستخيرك بعلمك الحَدِيث فَهَل قَول أَحْمد الْمَذْكُور يُؤثر ضعفا فِي الحَدِيث أَولا (فَأجَاب) بقوله لَا يُؤثر قَول أَحْمد الْمَذْكُور ضعفا فِي الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد بِهِ ظَاهره فَإِن اصْطِلَاح أَحْمد كَمَا نَقله الْأَئِمَّة عَنهُ أَنه يُطلق هَذَا اللَّفْظ على الْفَرد الْمُطلق وَإِن كَانَ رَاوِيه ثِقَة وَقد جَاءَ عَن أَحْمد ذَلِك فِي حَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ لكَونه فَردا مُطلقًا بِاعْتِبَار أَوله وَإِن كَانَ متواترا بِاعْتِبَار آخِره فَقَالَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ روى حَدِيثا مُنْكرا وَوصف مُحَمَّدًا مَعَ ذَلِك بِأَنَّهُ ثِقَة فَإِذا عرف من اصْطِلَاح أَحْمد رَضِي الله عَنهُ ذَلِك على أَنه لم يضعف الحَدِيث بِوَجْه على أَن الْحَافِظ ابْن عدي رَضِي الله عَنهُ أَشَارَ إِلَى أَن حَدِيث جَابر الْمَذْكُور لَيْسَ فَردا مُطلقًا كَيفَ وَقد رَوَاهُ غير جَابر من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم سمى التِّرْمِذِيّ مِنْهُم اثْنَيْنِ فَقَالَ وَفِي الْبَاب عَن ابْن مَسْعُود وَأبي أَيُّوب انْتهى زَاد غَيره عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر وَأَبا هُرَيْرَة وَأَبا سعيد رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَجْمَعِينَ لَكِن مَعَ بعض زِيَادَة وَنقص فِي أَلْفَاظه وَذَلِكَ يعلمك بِأَن الحَدِيث لَيْسَ فَردا مُطلقًا كَيفَ وَقد وَافق جَابِرا فِي رِوَايَته عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - سِتَّة من أكَابِر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم (وَسُئِلَ) رَضِي الله عَنهُ بِمَا لَفظه مَا معنى حَدِيث أَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث سَرِيَّة إِلَى خثعم فاعتصم نَاس بِالسُّجُود فأسرع فيهم الْقَتْل فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَأمر لَهُم بِنصْف الْعقل وَقَالَ أَنا بَرِيء من كل مُسلم يُقيم بَين أظهر الْمُشْركين قَالُوا يَا رَسُول الله وَلم قَالَ لَا تراى ناراهما وَهل هُوَ حَدِيث صَحِيح أم لَا (فَأجَاب) بقوله الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وقبلهم أَبُو بكر بن أبي شيبَة بأسانيد صَحِيحَة إِلَى قيس بن أبي حَازِم التَّابِعِيّ الْكَبِير فَمنهمْ من أرْسلهُ عَن النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - وَمِنْهُم من أسْندهُ عَن قيس عَن جرير البَجلِيّ وَقَالَ البُخَارِيّ الْمُرْسل أصح وَمعنى الحَدِيث كَمَا فسره أهل الْغَرِيب أَنه يلْزم الْمُسلم أَن يبعد منزله عَن منزل الْمُشْركين أَي الْحَرْبِيّ وَلَا ينزل بِموضع إِذا أوقدت فِيهِ نَار تلوح وَتظهر النَّار الَّتِي يوقدونها فِي منزلهم لِأَن النارين مَتى تراءيا كَانَ معدودا مِنْهُم وَقد تقرر أَن الْهِجْرَة من دَار الْحَرْب وَاجِبَة بشروطها والترائي تفَاعل من الرُّؤْيَة يُقَال ترَاءى الْقَوْم إِذا رأى بَعضهم بَعْضًا وتراءى لي الشَّيْء إِذا ظهر حَتَّى رَأَيْته وَإسْنَاد الترائي إِلَى النارين مجَاز من قَوْلهم دَاري تنظر إِلَى دَار فلَان أَي تقَابلهَا وَيُقَال ناراهما مُخْتَلِفَانِ هَذِه تَدْعُو إِلَى الله وَكَأن هَذِه النَّار تعبد وَالْأُخْرَى تنادى بِلِسَان حَالهَا للترائي وَهَذِه تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان فَكيف يَجْتَمِعَانِ وَالْأَصْل فِي ترَاءى تتراءى حذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا (وَسُئِلَ) نفعنا الله بِهِ عَن حَدِيث أَن الله يبغض البليغ من الرِّجَال الَّذِي يَتَخَلَّل بِلِسَانِهِ تخَلّل الباقرة بلسانها من رَوَاهُ (فَأجَاب) بقوله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَهُوَ بِمَعْنى الحَدِيث الْحسن أَيْضا أَن الله يبغض الثرثارين والمتشدقين وَفِي رِوَايَة أَن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني يَوْم الْقِيَامَة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون أَي المكثرون للْكَلَام مَعَ التشدق فِيهِ وَإِظْهَار التفاصح وَأَنه بليغ لَا يصل أحد إِلَيْهِ فِي ذَلِك زهوا وعجبا (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل ورد لَا تعد من لَا يعدوك (فَأجَاب) بقوله لم يرد بِهَذَا اللَّفْظ وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام ابْن وهب والوارد بِسَنَد ضَعِيف من عَاد مرضانا عدنا مرضاه وَهُوَ يفهم مَا ذكر واستؤنس لَهُ بِالْحَدِيثِ بِسَنَد ضَعِيف أَيْضا لَا خير فِي صُحْبَة من لَا يرى لَك مثل مَا ترى لَهُ وَمن ثمَّ قَالَ أَحْمد رَضِي الله عَنهُ ورحمه لما قَالَ لَهُ وَلَده يَا أَبَت إِن جارنا مرض فَمَا نعوده يَا أَبَت فَقَالَ مَا عدانا فنعوده فَإِن قلت قد يُنَافِي ذَلِك الحَدِيث الْمُرْسل عد من لَا يعدوك قلت لَا يُنَافِيهِ لَا مَكَان حمل الأول على التَّأْدِيب لمن يتْرك ذَلِك انتقاصا لَك وَالثَّانِي على الْمقَام الْأَكْمَل وَهُوَ هضم النَّفس وَعدم الِالْتِفَات لحظوظها بِوَجْه (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ هَل يكره الْقُرْآن بَين تمرتين مُطلقًا وَهل يلْحق بِالتَّمْرِ غَيره

<<  <   >  >>