للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

صُورَة فقره وَلَا فِي صُورَة غناهُ وَإِنَّمَا يرى الْفَضِيلَة فِيمَا يوقفه الْحق فِيهِ ويدخله عَلَيْهِ وَيعلم الْإِذْن من الله فِي الدُّخُول فِي الشَّيْء وَقد يدْخل فِي صُورَة سَعَة مباينة للفقر بِإِذن من الله فَيرى الْفَضِيلَة حِينَئِذٍ فِي السعَة لمَكَان إِذن الله فِي ذَلِك وَلَا يفسح فِي السعَة وَالدُّخُول فِيهَا للصادقين إِلَّا بعد أحكامهم علم الْإِذْن وَفِي هَذِه مزلة الْأَقْدَام وَبَاب دَعْوَى للمدعين وَمَا من حَال يتَحَقَّق بِهِ صَاحب الْحَال إِلَّا وَقد يحكيه رَاكب الْحَال ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة ويحيا من حَيّ عَن بَيِّنَة فَإِذا اتَّضَح لَك معنى الْفرق بَين الْفقر والتصوف وَإِن كَانَ الْفقر أساس التصوف وَبِه قوامه على الْوُصُول إِلَى رتب التصوف على طَريقَة الْفقر لَا على معنى أَنه يلْزم من وجود التصوف وجود الْفقر انْتهى وَالْفرق بَين الْفقر والزهد أَن الْفقر فِيهِ تحل بمحاسنه كالاطراح والخمول والتمزق وخدمة الْفُقَرَاء والوجد والكياسة والرياضة وَالْأَدب والتنقي من الْأَوْصَاف الذميمة كالكبر وَالْعجب والحسد وَهَذِه قد لَا تُوجد مَعَ الزّهْد وَالْحَاصِل أَن محَاسِن الزَّاهِد بعض محَاسِن الْفَقِير ومحاسن الْفَقِير بعض محَاسِن الصُّوفِي وَأما بَيَان الْفرق بَين الصُّوفِي والمتصوف والمتشبه فقد بَينه السهروردي أَيْضا بِأَن طَرِيق الصُّوفِيَّة أَوله إِيمَان ثمَّ علم ثمَّ ذوق فالمتشبه صَاحب إِيمَان وَالْإِيمَان بطرِيق الصُّوفِيَّة أصل كَبِير قَالَ سيد الطَّائِفَة أَبُو الْقَاسِم الْجُنَيْد قدس الله سره التَّصْدِيق بطريقنا هَذَا ولَايَة قَالَ السهروردي لِأَن الصُّوفِيَّة تميزوا بأحوال عزيزة وآثار مستغربة عِنْد أَكثر الْخلق لأَنهم مكاشفون بِالْقدرِ وغرائب الْعُلُوم إشاراتهم إِلَى عَظِيم أَمر الله والقرب مِنْهُ وَالْإِيمَان بذلك إِيمَان بِالْقُدْرَةِ وَلَهُم عُلُوم وَمن هَذَا الْقَبِيل فَلَا يُؤمن بطريقتهم إِلَّا من خصّه الله تَعَالَى بمزيد عنايته فالمتشبه صَاحب إِيمَان والمتصوف صَاحب علم لِأَنَّهُ بعد الْإِيمَان اكْتسب مزِيد علم بطريقهم وَصَارَ لَهُ فِي ذَلِك مواجيد يسْتَدلّ بهَا على سائرها والصوفي صَاحب ذوق فللمتصوف الصَّادِق نصيب من حَال الصُّوفِي وللمتشبه الصَّادِق نصيب من حَال المتصوف قَالَ وَهَكَذَا سنة الله تَعَالَى جَارِيَة أَن كل صَاحب حَال لَهُ ذوق فِيهِ لَا بُد أَن يكْشف لَهُ علم بِحَال أَعلَى مِمَّا هُوَ فِيهِ فَيكون فِي حَاله الأول صَاحب ذوق وَفِي الْحَال الَّذِي كوشف بِهِ صَاحب علم وبحال فَوق ذَلِك صَاحب إِيمَان ثمَّ قَالَ بعد كَلَام طَوِيل الصُّوفِي فِي مقاومة الرّوح صَاحب مُشَاهدَة والمتصوف فِي مقاومة الْقلب صَاحب مراقبة والمتشبه فِي مقاومة النَّفس صَاحب مجاهدة ومحاسبة فتكوين الصُّوفِي بِوُجُود قلبه وتكوين المتصوف بِوُجُود نَفسه والمتشبه لَا تكوين لَهُ لِأَن التكوين لأرباب الْأَحْوَال والمتشبه مُجْتَهد سالك لم يصل بعد إِلَى الْأَحْوَال وَالْكل يجمعهُمْ دَائِرَة الاصطفاء فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَوْرَثنَا الْكتاب الَّذين اصْطَفَيْنَا من عبادنَا فَمنهمْ ظَالِم لنَفسِهِ وَمِنْهُم مقتصد وَمِنْهُم سَابق بالخيرات بِإِذن الله} قَالَ بَعضهم الظَّالِم يجزع من الْبلَاء والمقتصد يصبر عِنْد الْبلَاء وَالسَّابِق يتلذذ بالبلاء وَقَالَ بَعضهم الظَّالِم يعبد على الْغَفْلَة وَالْعَادَة والمقتصد يعبد على الرَّغْبَة والرهبة وَالسَّابِق يعبد على الهيبة والْمنَّة وَقَالَ بَعضهم الظَّالِم صَاحب الْأَقْوَال والمقتصد صَاحب الْأَفْعَال وَالسَّابِق صَاحب الْأَحْوَال وكل هَذِه الْأَقْوَال قريبَة التناسب من حَال الصُّوفِي والمتصوف والمتشبه وَكلهمْ من أهل الْفَلاح والنجاح والمتشبه بالصوفية مَا اخْتَار التَّشَبُّه بهم دون غَيرهم من الطوائف إِلَّا لمحبته إيَّاهُم وَهُوَ على قصوره عَن الْقيام بِمَا هم فِيهِ يكون مَعَهم لموْضِع إِرَادَته ومحبته وَقد ورد عَنهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنه قَالَ الْمَرْء مَعَ من أحب فَقَالَ أَبُو ذَر يَا رَسُول الله الرجل يحب الْقَوْم وَلَا يَسْتَطِيع يعْمل كعملهم قَالَ أَنْت يَا أَبَا ذَر مَعَ من أَحْبَبْت قَالَ فَإِنِّي أحب الله وَرَسُوله قَالَ فَإنَّك مَعَ من أَحْبَبْت قَالَ الشهَاب السهروردي جَاءَ فَتى إِلَى الشَّيْخ أَحْمد الْغَزالِيّ ابْن أخي حجَّة الْإِسْلَام يُرِيد مِنْهُ أَن يلْبسهُ الْخِرْقَة فَأرْسلهُ إِلَى شَيخنَا أَي وَالظَّاهِر أَنه عَمه أَبُو النجيب ليذكر لَهُ معنى الْخِرْقَة فجَاء إِلَيْهِ فَذكر للمتبدى شُرُوطهَا وآدابها وحقوقها فجبن الرجل عَن ذَلِك وَرجع للغزالي فَاسْتَحْضرهُ وَقَالَ لَهُ مَا ذكرته صَحِيح وَلَكِن إِذا ألزمنا الْمُبْتَدِئ بذلك نفر وَعجز عَن الْقيام بِهِ فَنحْن نلبسه الْخِرْقَة حَتَّى يتشبه بالقوم ويتزيا بزيهم فَيقر بِهِ ذَلِك من مجَالِسهمْ ومحافلهم فببركة مخالطته بهم وَنَظره إِلَى أَحْوَال الْقَوْم ومسيرهم يحب أَن يسْلك بذلك مسلكهم ويصل بذلك إِلَى شَيْء من أَحْوَالهم قَالَ الشهَاب السهروردي فالمتشبه الْحَقِيقِيّ لَهُ إِيمَان بطرِيق الْقَوْم وَعمل بِمُقْتَضَاهُ وسلوك واجتهاد لِأَنَّهُ صَاحب مجاهدة ومحاسبة كَمَا مر ثمَّ يصير متصوفا صَاحب مراقبة ثمَّ يصير صوفيا صَاحب مُشَاهدَة فإمَّا من

<<  <   >  >>