للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

السؤل لسَائِر النَّاس بِالْعَرَبِيَّةِ نَظِير مَا مر أَنه لِسَان أهل الْجنَّة إِلَّا إِن ثَبت خلاف ذَلِك وَلَا يستبعد تكلم غير الْعَرَبِيّ بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَن ذَلِك الْوَقْت وَقت تخرق فِيهِ الْعَادَات وَمن ثمَّ ذكر الْقُرْطُبِيّ وَالْغَزالِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: (يَا رَسُول الله مَا أوّل مَا يلقى الْمَيِّت إِذا دخل قَبره قَالَ يَا ابْن مَسْعُود مَا سَأَلَني عَنهُ إِلَّا أَنْت فَأول مَا يَأْتِيهِ ملك اسْمه رُومَان يجوس خلال الْمَقَابِر فَيَقُول يَا عبد الله اكْتُبْ عَمَلك فَيَقُول مَا معي دَوَاة وَلَا قرطاس فَيَقُول هَيْهَات كفنك قرطاسك ومدادك ريقك وقلمك أصبعك فَيقطع لَهُ قِطْعَة من كَفنه ثمَّ يَجْعَل العَبْد يكْتب وَإِن كَانَ غير كَاتب فِي الدُّنْيَا فيذكر حَسَنَاته وسيئاته كَيَوْم وَاحِد) الحَدِيث بِطُولِهِ، ثمَّ رَأَيْت شيخ الْإِسْلَام صَالحا البُلْقِينِيّ أفتى بِأَن السُّؤَال فِي الْقَبْر بالسرياني لكل ميت، وَلَعَلَّه أَخذه من الحَدِيث الَّذِي ذكرته لكنك قد علمت مِمَّا قَرّرته فِيهِ أَنه لَا دلَالَة فِي الحَدِيث، وَمن ثمَّ قَالَ تِلْمِيذه الْجلَال السُّيُوطِيّ لم أر ذَلِك لغيره، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. ٨ وسُئل رَضِي الله عَنهُ: مَا حكم علم الأوْفاق؟ فَأجَاب فسح الله فِي مدَّته: علم الأوفاق لَا مَحْذُور فِيهِ إِن اسْتعْمل لمباح، فقد نقل عَن الْغَزالِيّ وَغَيره الاعتناء بِهِ، وَكَذَلِكَ حكى لي عَن شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ سقى الله عَهده أَنه كَانَ يُحسنه وَأَن لَهُ فِيهِ مؤلفاً نفيساً أما إِذا استعين بِهِ على حرَام فَإِنَّهُ يكون حَرَامًا إِذْ للوسائل حكم الْمَقَاصِد؛ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ.

٩ - وسُئل نفع الله بِعُلُومِهِ وبركته: فِي رجل قَالَ الْفَاتِحَة زِيَادَة فِي شرف النبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ رجل من أهل الْعلم: لَا تعد إِلَى هَذَا الَّذِي صدر مِنْك تكفر فَهَل الْأَمر كَذَلِك؟ وَهل يجوز هَذَا الْإِنْكَار وَالْحكم على الْقَائِل بالْكفْر وَمَا يلْزم الْمُنكر؟ فَأجَاب متع الله بحياته بقوله: لم يُصب هَذَا الْمُنكر فِي إِنْكَاره ذَلِك، وَهُوَ دَال على قِلَة عِلْمه وَسُوء فَهمه بل وعَلى قَبِيح مجازفته فِي دين الله تَعَالَى وتهورُّه بِمَا قد يَئُول بِهِ إِلَى الْكفْر وَالْعِيَاذ بِاللَّه إذْ من كفرَّ مُسلما بِغَيْر مُوجب لذَلِك كفر، على تَفْصِيل ذكره الْأَئِمَّة رَضِي الله عَنْهُم، فإنكاره هَذَا إِمَّا حرَام أَو كفر فالتحريم مُحَقّق وَالْكفْر مَشْكُوك فِيهِ إِذْ لم يتَحَقَّق شَرطه فعلى حَاكم الشَّرِيعَة المطهرة أَن يُبَالغ فِي زجر هَذَا الْمُنكر بتعزيره بِمَا يَلِيق بِهِ فِي عظم جراءته على الشَّرِيعَة المطهرة وَكذبه عَلَيْهَا بِمَا لم يقلهُ أحد من أَهلهَا بل صرّح بعض أَئِمَّتنَا بِخِلَافِهِ بل الْكتاب وَالسّنة دالان على أَن طلب الزِّيَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر مَطْلُوب مَحْمُود قَالَ تَعَالَى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً} [طه: ١١٤] . وروى مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: (وَاجعَل الْحَيَاة زِيَادَة لي فِي كل خير) وَطلب كَون الْفَاتِحَة أَو غَيرهَا زِيَادَة فِي شرفه طلب لزِيَادَة علمه، وترَّقيه فِي مدارج كمالاته العليّة، وَإِن كَانَ كَمَاله من أَصله قد وصل الْغَايَة الَّتِي لم يصل إِلَيْهَا كَمَال مَخْلُوق، فعُلِم أَن كلا من الْآيَة الشَّرِيفَة والْحَدِيث الصَّحِيح دَال على أَن مقَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكماله يقبل الزِّيَادَة فِي الْعلم وَالثَّوَاب وَسَائِر الْمَرَاتِب والدرجات، وعَلى أَن غايات كَمَاله لَا حدَّ لَهَا وَلَا انْتِهَاء بل هُوَ دَائِم الترقي فِي تِلْكَ المقامات الْعلية والدرجات السنيّة بِمَا لَا يطلع عَلَيْهِ وَيعلم كنهه إِلَّا الله تَعَالَى؛ وعَلى أَن كَمَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ جلالته لاحتياجه إِلَى مزِيد ترق واستمداد من فيض فضل الله وجوده وَكَرمه الذاتي الَّذِي لَا غَايَة لَهُ وَلَا انْتِهَاء، وعَلى أَن طلب الزِّيَادَة لَا يشْعر بِأَن ثمَّ نقصا إِذْ لَا شكّ أَن علمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل الْعُلُوم وَمَعَ ذَلِك فقد أمره الله بِطَلَب زِيَادَته فلنكن نَحن مأمورين بِطَلَب زِيَادَة ذَلِك لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ورد أَيْضا أمْرُنا بذلك فِيمَا ينْدب من الدُّعَاء عِنْد رُؤْيَة الْكَعْبَة المعظمة إِذْ فِيهِ: (وزد من شرفه وعظمه وحجه واعتمره تَشْرِيفًا) إِلَى آخِره. وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَسَائِر الْأَنْبِيَاء الَّذين حجُّوا الْبَيْت وهم كل الْأَنْبِيَاء إِلَّا فرقة قَليلَة مِنْهُم على الْخلاف فِي ذَلِك دَاخل فِيمَن شرفه وعظمه وحجه واعتمره وَإِذا علم دُخُولهمْ فِي ذَلِك الْعُمُوم من دلَالَة الْعَام ظنية أَو قَطْعِيَّة على الْخلاف فِيهِ علم أَنا مأمورون بِطَلَب الدُّعَاء لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلغيره من الْأَنْبِيَاء الْمَذْكُورين بِزِيَادَة التشريف والتكريم؛ وَأَن الدُّعَاء بِزِيَادَة ذَلِك لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر مَنْدُوب مستحسن. وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن عليّ رَضِي الله عَنهُ لَكِن نظر فِي سَنَده ابْن كثير أَنه كَانَ يعلم النَّاس كَيْفيَّة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وفيهَا مَا يصرّح بِطَلَب الزِّيَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مضاعفات الْخَيْر وجزيل الْعَطاء وَبِهَذَا الَّذِي ذكرته وَإِن لم أر من سبقني بالاستدلال فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِشَيْء مِنْهُ يظْهر الرَّد على شيخ الْإِسْلَام صَالح

<<  <   >  >>