فِي السُّؤَال لم نره لأحد من الْمُفَسّرين. [تَنْبِيه] : يُوجد كثيرا فِي الْمَلَاحِم مَا يَصح فَقيل سَببه أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم بِكَلِمَات من الْغَيْب فَانْفَرد بحفظها بعض الصَّحَابَة وَلم تظهر، وردّ بِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لظهرت كَبَقِيَّة مَا جَاءَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقيل إِنَّه عَمَلُ دانيال لِأَنَّهُ كَانَ نَبيا يُوحى إِلَيْهِ، وَقيل عمل الْكُهَّان قَدِيما قبل وجوده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل إِنَّهَا مَبْنِيَّة على النُّجُوم: قَالَ الْمَازرِيّ: وَهُوَ الْأَقْرَب. [حِكَايَة غَرِيبَة] لَكِن الْآجُرِيّ حكى أَن هِنْد أم مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُمَا دخل عَلَيْهَا وَهِي فِي خيمتها نَائِمَة مُجَللَة بشعرها صديقٌ لزَوجهَا لِظنِّه أَنه قدم من السّفر، فأحسستْ بِهِ ففزعتْ فَقَالَ: أَنا فلَان ظَنَنْت أَن زَوجك قدم، وَخرج فَرَآهُ أهل الْحَيّ فَلم يشكوا أَنه زنى بهَا، فَلَمَّا قدم زَوجهَا بلغه الْخَبَر، فعزم على قَتلهَا فَمَنعه أَبوهَا حَتَّى كَاد حياهما أَن يقتتلوا، فَاصْطَلَحُوا على أَن يمضوا لِكَاهِنٍ الشَّام ليخبرهم بِصِحَّة مَا كَانَ، ثمَّ دخل عَلَيْهَا أَبوهَا وَقَالَ: يَا بنيتي إنْ كَانَ حَقًا مَا يَقُولُونَ فدعيني أستر عيبي وعيبك بِالسَّيْفِ، ونقاتل الْقَوْم لِئَلَّا نمضي إِلَى الكاهن فيفضحنا ويفضحك، وإنْ كنت بَريَّة سرنا إِلَى الكاهن، فَحَلَفت لَهُ وأكدت أَنَّهَا بَريَّة، فَخرج الْجَمِيع إِلَى الشَّام، فَلَمَّا قربوا من الكاهن اضطربتْ هِنْد وتغيرت، فَقَالَ لَهَا أَبوهَا: مَا شَأْنك أَلَيْسَ قد حذرتك الفضيحة بالكاهن؟ فَقَالَت: وَالله مَا أَنا إِلَّا بَريَّة وَمَا جزعتُ إِلَّا أَنا نمضي إِلَى بشر مثلنَا، وَقد يغلط ويُؤتى عَلَيْهِ، فَإِن قَالَ: إِنَّهَا زنت نشبتْ المعرة فِينَا، وَصدقه جَمِيع الْعَرَب، فَقَالَ لَهَا: حَقًا مَا قلتِ، فَقَالَ لَهُم: نَحن نمضي إِلَى بشر مثلنَا قد يُصِيب وَقد يخطىء، وَلَكِن نخبأ لَهُ خبأ حَتَّى نختبره وَعلمه، فساعدوه على ذَلِك وَجعلُوا لَهُ قمحة فِي ذَكَر مُهْر وربطوه بشعرة، فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ قَالُوا لَهُ: إِن امْرَأَة هَذَا قد اتُهمت بزنا فَأخْبرنَا عَن صدق ذَلِك أَو كذبه؟ فَقَالَ أَبوهَا: إنَّا أخبأنا لَك خبأ مَا هُوَ؟ فَقَالَ: أخبأتم ثَمَرَة فِي كمرة، وَفِي رِوَايَة: حَبَّة بُرِّ فِي إحليل مُهْرِ، فَأتوهُ بهَا فلمس على ظهرهَا فَقَالَ: هِنْد لَيست بزانية وستلد ملكا اسْمه مُعَاوِيَة، فَكبر الْقَوْم وَخَرجُوا عَنهُ، وفرحوا فَأخذ بَعْلُها بِيَدِهَا، رَجَاء أَن يكون الْوَلَد مِنْهُ، فَنثرَتْ يَدهَا مِنْهُ وَقَالَت: وَالله لَا تقربني أبدا وَلَا تراني أبدا، وَقَالَ أَبوهَا وَأَهْلهَا: وَالله مَا رأيتَهَا أبدا، ومنعوها بِالسَّيْفِ، فَخَطَبَهَا أَبُو سُفْيَان وَعبد الله بن جَدْعان، فَعرض عَلَيْهَا أَبوهَا فَقَالَت: أما أَبُو سُفْيَان فصعلوك لكنه ينجب، وَأما عبد الله فَحسن الصُّورَة لكنه لَا ينجب أنْكحني أَبَا سُفْيَان، فَولدت مِنْهُ مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ، ونكح عبد الله غيرَهَا فَولدت لَهُ ولدا فَطَافَ بِهِ يَوْمًا فَرَأى جملا وشَاة، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَت هَذِه ابْنة هَذَا، أَرَادَ أَن الشَّاة بنت الْبَعِير، فَقَالَ لَهُ فِي الْحَال: نعمت المرأةُ هِنْد الَّتِي قَالَت: إِنِّي لَا أنْجب. وَبِهَذَا الْحِكَايَة تعلم أَن مَا مر من أَن المغيبات لَا تعلم إِلَّا جملَة وَلَا يعرف تفصيلها، إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار أَكثر الْأَحْوَال وَأما فِي بَعْضهَا فتعلم تَفْصِيلًا، لَكِن الصَّوَاب أَنه يكون من عُلُوم الْأَنْبِيَاء الَّتِي حُفِظَتْ ودوّنت وَلم تبدَّل، وَكَذَا مَا أخبرهُ بِهِ شقٌ وسطيح من أَخْبَار الزَّمن الَّذِي وَقع بعدهمَا، فَيحمل على أَنه وصل إِلَيْهِم من علم الْأَنْبِيَاء صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِم وَسلم. ٧١ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: هَل من السحر مَا يَفْعَله أهل الْحلق الَّذين فِي الطرقات، وَلَهُم فِيهَا أَشْيَاء غَرِيبَة كَقطع رَأس الْإِنْسَان وإعادتها وندائهم لَهُ بعد قطعهَا، وَقبل إِعَادَتهَا فَيُجِيبهُمْ، وَجعل نَحْو دَارهم من التُّرَاب وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَشْهُور عَنْهُم، وَكَذَا كِتَابَة الْمحبَّة وَالْقَبُول، وَإِخْرَاج الجان وَنَحْو ذَلِك. فَأجَاب بقوله: هَؤُلَاءِ فِي معنى السَّحَرَة، إنْ لم يَكُونُوا سحرة فَلَا يجوز لَهُم هَذِه الْأَفْعَال، وَلَا يجوز لأحد أَن يقف عَلَيْهِم لِأَن فِي ذَلِك إغراء لَهُم على الِاسْتِمْرَار فِي هَذِه الْمعاصِي والقبائح الشنيعة، وإفسادهم قَطْعي وفسادهم حَقِيقِيّ، فَيجب على كل من قدر مَنعهم من ذَلِك، وَمنع النَّاس من الْوُقُوف عَلَيْهِم، وَإِذا كَانَ كثير من أَئِمَّتنَا أفتوا بِحرْمَة الْمُرُور بالزينة، على أَن أَكثر أَهلهَا مكرهون على التزيين بِخُصُوص الْحَرِير، وَرَأَوا أَن التفرج عَلَيْهَا فِيهِ إغراء على فعلهَا، وللحاكم على الْأَمر بهَا، فَمَا ظَنك بالفُرجة على هَؤُلَاءِ الكذبة المارقين، والجهلة المفسدين وَفِي الْمُوازِية من كتب الْمَالِكِيَّة، الَّذِي يقطع يَد الرجل أَو يُدخل السكين فِي جَوف نَفسه، إِن كَانَ سحرًا قتل وَإِلَّا عُوقِبَ. وَسُئِلَ ابْن أبي زيد من أئمتهم عَن نَحْو مَا فِي السُّؤَال فَقَالَ: إنْ لم يكن فِي أفعالهم تِلْكَ كُفْر فَلَا شَيْء عَلَيْهِم وَإِنَّمَا هُوَ خفَّة يَد، وَتعقبه المرزاني فَقَالَ: هَذَا خلاف مَا اخْتَارَهُ شَيخنَا الإِمَام، أَنهم سحرة وَأَن الْوُقُوف عَلَيْهِم لَا يجوز، وَهُوَ يشبه ظَاهر الرِّوَايَة لِابْنِ عبد الْبر، روى ابْن نَافِع فِي المبسوطة فِي امْرَأَة أقرَّتْ أَنَّهَا عَقَدتْ زَوجهَا عَن نَفسهَا أَو غَيرهَا، أَنَّهَا تنكل وَلَا تقتل، قَالَ وَلَو سحر نَفسه لم يقتل بذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute