للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الجهل وقصور العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولقد صدق ابن مسعود في قوله في الصحابة: «إنهم أبر الأمة قلوبًا، وأعمقها علومًا، وأقلها تكلفًا». وروي نحوه عن ابن عمر أيضًا. وفيه إشارة إلى أن من بعدهم أقل علومًا وأكثر تكلفًا. وقال ابن مسعود أيضًا: «إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وسيأتي بعدكم زمان قليل علماؤه، كثير خطباؤه». فمن كثر علمه وقل قوله فهو الممدوح، ومن كان بالعكس فهو مذموم» اهـ.

وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن بالإيمان والفقه. وأهل اليمن أقل الناس كلامًا وتوسعًا في العلوم، لكن علمهم علم نافع في قلوبهم ويعبرون بألسنتهم عن القدر المحتاج إليه من ذلك. وهذا هو الفقه والعلم النافع، فأفضل العلوم في تفسير القرآن ومعاني الحديث والكلام في الحلال والحرام ما كان مأثورًا عن الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن ينتهي إلى زمن أئمة الإسلام المشهورين المقتدى بهم الذين سميناهم فيما سبق.

فضبط ما رُوي عنهم في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحًا لكلام يتعلق من كلامهم. وأما ما كان مخالفًا لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعه فيه، وفي كلامهم في ذلك كفاية وزيادة، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلا وفي كلامهم ما يبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة

<<  <   >  >>