يَحُدُّ مدَّة الرَّضاع المحرِّم بخمسةٍ وعشرين شهرًا، أو ستَّةٍ وعشرين أو سبعةٍ وعشرين أو ثلاثين شهرًا، من تلك الأقوال الَّتي لا دليلَ عليها من كتاب اللَّه ولا سنَّة رسوله ولا قولِ أحدٍ من الصَّحابة= تبيَّن له فَصْلُ (١) ما بين القولين.
فهذا منتهى أقدام الطَّائفتين في هذه المسألة، ولعلَّ الواقف عليها لم يكن يَخْطِر له أنَّ هذا القول تنتهي قوَّتُه إلى هذا الحدِّ، وأنَّه ليس بأيدي أصحابه قدرةٌ على تقريره وتصحيحه، فاجلِسْ أيُّها العالم المنصف مجلسَ الحكم بين هذين المتنازعينِ، وافصِلْ بينهما بالحجَّة والبيان، لا بالتَّقليد وقال فلان.
واختلف القائلون بالحولين في حديث سهلة هذا على ثلاث مسالك:
أحدها: أنَّه منسوخٌ، وهذا مسلك كثيرٍ منهم، ولم يأتوا على النَّسخ بحجَّةٍ سوى الدَّعوى، فإنَّهم لا يُمكِنهم إثباتُ التَّاريخ المعلوم التَّأخُّر بينه وبين تلك الأحاديث. ولو قَلَبَ أصحاب هذا القول عليهم الدَّعوى، وادَّعوا نسخَ تلك الأحاديث بحديث سهلة، لكانت نظيرَ دعواهم.
وأمَّا قولهم: إنَّها كانت في أوَّل الهجرة حينَ نزولِ قوله: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}[الأحزاب: ٥]، ورواية ابن عبَّاسٍ وأبي هريرة بعد ذلك، فجوابه من وجوهٍ:
أحدها: أنَّهما لم يُصرِّحا بسماعه من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بل لم يسمع منه ابن عبَّاسٍ إلا دونَ العشرين حديثًا، وسائرها عن الصِّحابة.
الثَّاني: أنَّ نساء النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لم يحتجَّ أحدٌ منهنُّ، بل ولا غيرُهنَّ على عائشة بذلك، بل سلكن في الحديث تخصيصَه بسالم، وعدمَ إلحاق غيره به.