للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني حصل له كل ما أمكن له حتى يكون رمحا بالحقيقة».

كلام القاساني مبني كما ترى على شرح التلمساني، غير أنه ربط بين المعنيين.

أما ابن القيم فلم ينقل هنا الآية التي افتتح الهروي بها هذه المنزلة لأنه قد سبق أن استشهد بها في كلامه المستقل على الصدق، بل تكلم على تعريفه للصدق فقال: «الصِّدق هو حصول الشيء وتمامه، وكمال قوَّته واجتماع أجزائه، كما يقال: عزيمةٌ صادقةٌ، إذا كانت قويَّةً تامَّةً، وكذلك: محبَّةٌ صادقةٌ، وإرادةٌ صادقةٌ. وكذلك قولهم: حلاوة صادقة، إذا كانت قويَّةً تامَّةً ثابتة الحقيقة، لم ينقص منها شيء. ومن هذا أيضًا: صدقُ الخبر، لأنَّه وجود المخبَر بتمام حقيقته في ذهن السامع. فالتمام والوجود نوعان: خارجيٌّ وذهنيٌّ، فإذا أخبرت المخاطَب بخبرٍ صادقٍ حصلت له حقيقة المخبَر بكماله وتمامه في ذهنه. ومن هذا: وصفهم الرُّمح بأنّه صَدْق الكعوبِ إذا كانت كعوبه صلبةً قويَّةً ممتلئةً».

هذا الكلام أيضا ناظرٌ إلى شرح التلمساني، ولكن ابن القيم ربط بين المعنيين اللذين ذكرهما التلمساني، واشتقّ المعنى الثاني من المعنى الأول، على العكس مما فعله القاساني. ويلاحظ أن ابن القيم لم يعلّق تعليقًا مباشرًا على كلام الهروي.

(٢) ثم ذكر الهروي ثلاث درجات لمنزلة الصدق، فقال: (الدرجة الأولى: صدق القصد، وبه يصح الدخول في هذا الشأن، ويتلافى به كلُّ تفريطٍ، ويتدارك كلُّ فائتٍ، ويعمر كلُّ خرابٍ. وعلامة هذا الصادق: أن لا يحتمل داعيةً تدعو إلى نقض عهدٍ، ولا يصبر على صحبة ضدٍّ، ولا يقعد عن الجدِّ بحال).

<<  <  ج: ص:  >  >>