للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وممن فاق بالعِلْم والزُّهْد على أقرانه، عارفًا بالمذهبين، إمامًا في الأَصْلَين، حافِظًا، متقنًا في الحديث وعلومه، يُضْرَبُ به المثل في ذلك، وكان آيةً في الحفظ والإِتقان والتحرِّي، وشديدَ الخوف، دائم الذِّكْر، لا ينام الليل إلا قليلًا، يقطعه فيما بين مطالعةٍ وتلاوةٍ وذِكْرٍ وتهجُّدٍ حتى صار السَّهر له عادة، وأوقاته كلُّها معمورة، ولم يُرَ في عصره مثله، صنَّف كتبًا قليلة، كمل تسويد كتاب "الإِمام" وبيَّض منه قطعة، وشرح "مقدمة المُطَرِّزي في أُصول الفقه"، وله "الأربعون في الرِّواية عن رب العالمين"، وشرح بعض "الإِلمام" شرحًا عظيمًا، وشرح بعض "مختصر ابن الحاجب" في الفقه لمالك، لم أَرَ في كتب الفقه مثله، عزَلَ نفسه من القضاء غَيرَ مَرَّة، ثم يسأل ويعاد، وبلغني أنَّ السلطان حُسَام الدِّين (١) لما طلع إليه الشيخ قام للقيه، وخَرَجَ عن مرتبته، وكان كثير الشَّفَقة على المشتغلين، كثير البِرِّ لهم، أتيته بجزء سمعه من ابن رواج والطبقة بخَطِّه فقال: حتى أنظر. ثم عُدْتُ إليه فقال: هو بخطِّي محقق، ولكن ما أُحقق سماعي له، ولا أذكره.

توفِّيَ في صفر سنة اثنتين وسبع مئة.

وفيها: مات مُفْتي نابُلُس الشيخ فخر الدين عليُّ بن عبد الرحمن بن عبد المُنْعم النَّابُلُسي الحَنْبَلي. والمسنِد عبد الحميد بن أحمد بن خَوْلان البَنَّاء بزَمْلَكا (٢)، وله بضع وثمانون سنة. والمسند الأمين بَدْرُ الدِّين


(١) لاجين بن عبد الله المنصوري، حسام الدين، من ملوك دولة المماليك البحرية بمصر والشام، ولي السلطنة سنة (٦٩٥) هـ، وتلقب بالملك المنصور، قتل سنة (٦٩٨) هـ، انظر "السلوك" للمقريزي: ج ١ / ق ٣/ ٨٢٠ - ٨٦٥.
(٢) زملكان؛ قرية بغوطة دمشق، وأهل الشام لا يلحقون به النون، انظر "معجم البلدان": ٣/ ١٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>