للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السماع مدة سنين، وقرأ الغيلانيات (١) في مجلس، ونسخ وانتقى، كَتَبَ الطِّباق (٢) والأثبات، وتعلَّم الخَطَّ والحساب في المكتب، واشتغل بالعلوم، وحَفِظ القُرْآن، وأقبل على الفِقْه، وقرأ أيامًا في العربية على ابن عبد القوي ثم فهمها، وأخذ يتأمل "كتاب سيبويه" حتى فهِمَه، وبرع في النَّحْو، وأقبل على التفسير إقبالًا كليًّا حتى حاز فيه قصب السَّبْق، وأحكم أُصول الفقه، وغير ذلك، هذا كلُّه وهو بَعْدُ ابن بضع عشرة سنة، فانبهر الفُضَلاء من فَرْط ذكائه، وسيلان ذهنه، وقوة حافظته، وسرعة إدراكه.

نشأ في تصوُّنٍ تام، وعفاف وتألُّهٍ، واقتصاد في المَلْبَس والمأكل، ولم يزل على ذلك خلفًا صالحًا سلفيًّا، بَرًّا بوالديه، تقيًّا، ورعًا، عابدًا ناسكًا، صَوَّامًا قوَّامًا، ذاكرًا لله تعالى في كل أمر وعلى كل حال، رجَّاعًا إلى الله تعالى في سائر الأحوال والقضايا، وقَّافًا عند حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه، آمرًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، لا تكاد نَفْسُه تشبع من العِلْم، ولا تُرْوى من المطالعة، ولا تَمَلُّ من الاشتغال، ولا تكِلُّ من البحث، وقلَّ أن يَدْخلَ في علم من العلوم، في باب من أبوابه إلا ويفتح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاق أهله.

وكان يحضر المدارس والمحافل في صِغَرِه، فيتكلَّم ويناظر،


(١) هي أحد عشر جزءًا تخريج الدارقطني من حديث أبي بكر البزار المتوفى سنة (٣٥٤) هـ، سماع أبي طالب بن غيلان، المتوفى سنة (٤٤٠) هـ، وهي من أعلى الحديث وأحسنه، انظر "الرسالة المستطرفة": ٩٢ - ٩٣.
(٢) انظر حاشيتنا رقم (١) ص ٢٧٧ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>