للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كان الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) يجتمع مع بعض فقهاء مكة في المسجد الحرام للمذاكرة، فيأتيهم محمد بن الحسن (ت ١٨٩ هـ) ويناظرهم (١). ومن الجوامع التي اشتهرت بعقد مجالس المناظرة فيها جامع القصر ببغداد (٢)، حيث يجتمع فيه الفقهاء من سائر المذاهب للمناظرة، وممن كانت لهم حلقة مناظرة هناك الفقيه الشافعي أبو منصور البروي (ت ٥٦٧ هـ) وكان يحضر عنده المدرسون والأعيان (٣). ومنهم أبو الفرج بن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) الذي كان يجلس في دكة الحنابلة في الجامع، فربما ناظر الفقهاء حتى تمتلئ الرحبة بالحاضرين (٤).

ومنهم غلام ابن المنِّيِّ (ت ٦١٠ هـ) الذي كانت له حلقة بالجامع يحضرها الفقهاء، وكان جيد الكلام في المناظرة، حتى أجمعت الطوائف على فضله وعلمه (٥).

وربما جرت المناظرة في المدارس، وقد وصف لنا ابن بدران (ت ١٣٤٦ هـ) مشهدًا من مشاهد المناظرة في المدارس فقال: (ثم إنه كان لكل مدرسة مدرس خصوصي، ينتخب من الأفاضل الكبار. وكان لهؤلاء المدرسين مواعيد، فإذا كان يوم ميعاد مدرسة جلس المدرس في موضع الميعاد، وأحدق به غالب الفقهاء والعلماء، فيذكر مسألة ويأخذ في تفصيلها وبيان دلائلها، ويشاركه العلماء في البحث على طريقة فن الجدل، ويتكلم الواحد منهم بما عنده وتطول ذيول المناظرة، ويأخذ الحنفي مثلًا في الانتصار لقول إمامه، فيعارضه الشافعي مدليًا بحجته، ويشاركهما المالكي والحنبلي والظاهري


(١) انظر: مناقب الشافعي، البيهقي (١/ ١٨١).
(٢) وهو اليوم جامع الخلفاء الواقع في شارع الجمهورية ببغداد، بناه المكتفي بالله بين عامي (٢٨٩ هـ-٢٩٥ هـ) شرقيَّ قصره، وكان أحد الجوامع الكبيرة الثلاث عظيمة الشأن ببغداد مع جامع المنصور والرصافة، وقد لحقه إفساد المغول ثم أعيد ترميمه، ثم هدم وأعيد بناؤه لاحقًا، وكان الجامع كبيرًا، وله رحبة واسعة جدًا، فكانت تعقد فيه حلق العلم والمناظرة. انظر: تاريخ مساجد بغداد وآثارها، محمود شكري الألوسي (٣٩)، خير الزاد في تاريخ مساجد وجوامع بغداد، السيد محمد الراوي (٢٠١)، مباحث عراقية في الجغرافية والتاريخ والآثار وخطط بغداد، يعقوب سركيس (١/ ١٥٧).
(٣) انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان (٤/ ٢٢٥).
(٤) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٢/ ٤٧٥).
(٥) انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، ابن رجب (٣/ ١٤١).

<<  <   >  >>