بل إن هناك أحاديث صالحةً أطلقت اسم السفر على ما دون هذا وذاك بكثير، فعن اللجلاج قال «كنا نسافر مع عمر بن الخطاب، فنسير ثلاثة أميال فيتجوَّز في الصلاة ويقصر» رواه ابن أبي شيبة. وعن محارب بن دثار قال: سمعت ابن عمر يقول «إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر» رواه ابن أبي شيبة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «لا تسافر امرأةٌ بريداً إلا مع ذي محرم» رواه البيهقي وأبو داود. والبريد أربعة فراسخ، وتقدر بـ ٢٢ كيلو متراً. وهذه المسافة تقطع في نصف يوم تقريباً. فماذا يقول إخواننا الأحناف؟ إن مما لا شك فيه أن الحديثين اللذين استنبطوا منهما القصر لا يفيدانهم، وأن هذين الحديثين لا علاقة لهما من قريب أو بعيدٍ بموضوع مسافة القصر.
٢ - مناقشة رأي المالكية: رأي المالكية مأخوذٌ من قول منسوب لابن عباس رضي الله عنه فهو إذن اتباع لابن عباس لا اجتهادٌ منهم في النصوص، فمن أحب أن يقلد، أو يتَّبِع ابن عباس كما فعل مالك فليفعل، ولكننا هنا لسنا بصدد تقليد أو اتباع أحد، وإنما نريد أن نستنبط الحكم الشرعي من النصوص الشرعية، وسنذكر عدداً من النصوص الشرعية لاحقاً تعارض قول ابن عباس هذا، ومن ثَم قول المالكية، مما يُظهرُ خطأ هذا الرأي.
ثم إن أقوال الصحابة - وهي ليست أدلة شرعية - تعتبر غير صالحة للاحتجاج إن هي تعارضت واختلفت، ونحن في مسألتنا هذه نجد أقوال صحابةٍ وأفعالاً لصحابةٍ تخالف قول ابن عباس رضي الله عنه، مما يضطرنا إلى عدم أخذ هذا الرأي، فعن محمد ابن زيد بن خليدة عن ابن عمر قال «يقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال» رواه ابن أبي شيبة. ومر قبل قليل حديث اللجلاج «كنا نسافر مع عمر بن الخطاب، فنسير ثلاثة أميال فيتجوَّز في الصلاة ويقصر» رواه ابن أبي شيبة. فالمسألة ليست مسألة انتقاءِ أقوالٍ من أقوالٍ دون سندٍ شرعي.