الناحية الروحية، وطغيان المادة على الروح يهدد البشر بخطر داهم، ومن المعلوم أن الإنسان مركب من عنصرين مختلفين في الحقيقة والمفهوم والصفات النفسية، وباختلاف جوهريهما تختلف متطلباتهما، فللجسم متطلبات وللروح متطلبات، ولا يسد أحدها مكان الآخر، فالحضارة استطاعت تحصيل متطلبات الجسم، وعجزت عن تحصيل متطلبات الروح، والعالم إن لم تدبره الروح المهذبة المرباة تربية سماوية على ضوء الوحي الصادر من خالق السموات والأرض كان في خطر وقلق دائمين؛ لأن الروح البهيمية من طبيعتها الافتراس والابتزاز والظلم مهما قدرت، وآثار عدم التربية الروحية الصحيحة ظاهرة في أقطار الدنيا من الكوارث والمصائب وأنواع الظلم الفادح الواقع على كل دولة ضعيفة وكل شعب ضعيف كما لا يخفى.
والذي نريد أن نقوله هنا: هو أن التقسيم الصحيح يحصر موقف الإسلام من الحضارة الحالية في أربعة أقسام لا خامس لها ألبتة:
الأول: أخذها كلها ضارها ونافعها.
الثاني: تركها كلها نافعها وضارها.
الثالث: أخذ ضارها وترك نافعها.
الرابع: أخذ نافعها وترك ضارها.
فنرجع إلى هذه الأقسام الأربعة بالسبر الصحيح فنجد ثلاثة أقسام منها باطلة وواحدًا صحيحًا، أما الثلاثة الباطلة:
فالأول منها: هو أخذها كلها؛ لأن ما فيها من الكفر والإلحاد