للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القرب، ومطلق كلام الناذر محمول على ما ثبت له أصل في الشرع كمن نذر أن يصلي يلزمه الصلاة المعهودة لا الدعاء، وقصد البيت الحرام في الشرع هو بالحج أو بالعمرة، والطريق الثاني فيه قولان، أما إذا لم يصفه بالحرام؛ بأن قال: أمشي إلى بيت الله أو آتيه، فقولان أحدهما: أن مطلقه يحمل على البيت الحرام؛ لأنه السابق إلى الفهم فيصير كالمذكور، وأصحهما في الروضة تبعًا للرافعي: أنه لا ينعقد نذره؛ إلا أن ينوي البيت الحرام؛ لأن جميع المساجد بيت الله تعالى، فَإِنْ نَذرَ الإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، أي بل له الركوب قطعًا، وكذا لو نذر الذهاب وغيره مما سوى المشي، وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشيًا، فَالأَظْهَرُ: وُجُوبُ الْمَشْيِ، الخلاف مبنيٌّ على أن الحج راكبًا أفضل أو ماشيًا، وفيه قولان؛ أحدهما: أن الركوب أفضل، وصححه المصنف في شرح المهذب وَصَوَّبهُ في الروضة اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -، والثاني: أن المشيَ أفضلُ وهو ما صححه الرافعي؛ لأن التعب فيه أكثرُ، وصحَّ أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قَالَ لِعَائِشَةَ: [أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ] كما أخرجه الشيخان من حديثهما (٤٩٥)، فإن قلنا: المشي أفضل؛ لزم بالنذر، وإن قلنا الركوب أفضل أو سوينا لم يلزم المشي بالنذر، كذا ذكره في الروضة وغيرها تبعًا للرافعي، ثم قال الصواب أن الركوب أفضل كما سلف، ومقتضاه أنه لا يلزم المشي لكن صحح لزومه في الكتاب وغيره وعلله في شرح المهذب بأنه مقصود، وقال في موضع من أصل الروضة: أنه يلزمه الوفاء بالمشي إذا قلنا المشي أفضل، ومقتضاه أنه لا يلزم إلا إذا قلنا الركوب أفضل.

فَرْعٌ: في نهاية مشيهِ طريقان؛ أصحهما: حتى يَتَحَلَّلَ التَّحَلُّلَيْنِ، وقيل: له الركوب بعد التَّحَلُّلِ الأول.

فَإِنْ كَانَ قَالَ: أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِن حَيْثُ يُحْرِمُ، أي سواء أحرم من الميقات أو


(٤٩٥) رواه البخاري في الصحيح: كتاب العمرة: باب أجر العمرة على قدر النصب: الحديث (١٧٨٧). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب بيان وجوه الإحرام: الحديث (١٢٧/ ١٢١١). والإمام أحمد في المسند: ج ٦ ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>