واعلم أن هذا الحكم الذي ذكر عامٌ فيما كان من المستثنيات يمكن استثناء بعضها من بعضٍ، وفيما لا يمكن فيه، أعني الحكم بوجوب النصب فيها أو جوازه، ورفع أحدها في التفريغ أو غيره، إلا أن التمثيل بقوله:"كلم يفو إلا امرؤ إلا علي" تعيين لأحد القسمين، وهو قسم ما لا يصح فيه استثناء بعض المستثنيات من بعض، فعلى هذا القسم حكم بأن حكمه حكم الأول؛ لأن المستثنيات فيه لا يصح رجوع بعضها إلى بعض، ولا استثناؤه منه حسب ما أعطاه التمثيل، وانبنى على ذلك أمران:
أحدهما: أن كل ما كان من المستثنيات كذلك فهذا حكمه، فإذا قلت: له عندي عشرة إلا اثنين إلا اثنين فالمقر به ستة؛ لأن الجميع مخرج من العشرة، وكذلك إذا قلت: له عندي عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة، أو قلت: له عندي [عشرة إلا] ثلاثة إلا أربعة، وهو رأي الأكثر في هذا؛ لأن الأخير لا يمكن استثناؤه مما قبله، والقائل: إلا اثنين إلا ثلاثة مقر بخمسة، والقائل: إلا ثلاثة إلا أربعة مقر بثلاثة. وذهب الفراء إلى أنهما ليسا بمستثنيين من العشرة- فيكون قد أقر بخمسة أو بثلاثةٍ بل يحكم بأنه قد أقر بأحد عشر؛ لأنه عنده في تقدير: له عندي عشرة إلا اثنين فليسا له عندي إلا الثلاثة التي له عندي، وكذلك الأخرى في تقدير: له عندي عشرةٌ إلا ثلاثة، فليست له عندي سوى الأربعة التي له عندي، وارتضاه المؤلف في التسهيل، وشرحه، وظاهر إشارته هنا أنه مع الجمهور، وهو الأصح قياسًا على مسألة: قام القوم إلا زيدًا إلا عمرًا،