للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التخيير الموجود هو أن نقول: مما يدل على صحة الفرق الذي ذهب إليه مالك،

صور كثيرة موجودة لا نزاع فيها هي مثلها (٥).

فمنها أن من اشترى صاعا من صُبْرَةٍ، فلمن باعه أن يبيع سائر الصيعان من غير المشترى لذلك الصاع، فلو فعل ذلك وبقي صاع فتلف بآفة سماوية انفسخ العقد ولم ينتقل الصاع للذمة، كما لو تلفت الصبرة كلها بآفة سماوية.

والسبب في ذلك أن العقد تعلق بالقدر المشترك بين صيعان الصبرة وهو مطلق الصاع، فتصرف بِمقْتَضَى التجويز فيما عدا الصاع الواحد، وأتت الجائِحَةُ على ذلك الصالح، فكان التخيير في غيره مع الآفة فيه كالآفة في الجميع، كذلك أجزاء الوقت كالصيعان يجب منها واحد فقط، فإذا تصرفت المرأة في ضياع ما عدا الأخير منها بالإِتلاف ثم طرأ العذر في آخرها قام ذلك مقام وجود العذر في جميعها. ولو وجِد العذر في جميعها سقطت الصلاة، فكذلك إذا وجد ما يقوم مقامه وهُوَ التخيير مع العذر في الآخر، وبالتخيير حصل الفرق بين سبب الوجوب الذي هو القدر المشترك بين أجزاء القامة وبين رؤية الهلال، فإنه سبب الوجوب، فإذا وُجِد سالما عن المعارض ترتب عليه الوجوب، فالفرق من حيث التخيير وعدمه.

ومثل هذا لو وجب عليه عتق رقبة في كفارة الظهار، وكان له عدة من العبيد، فله أن يتصرف فيما عدا الرقبة الواحدة بما شاء من البيع والعتق، فلو فعل ذلك ثم إنه طرأ على الرقبة الباقية للكفارة آفة لا ينتقل إلى الصيام. ولا يقال: هي متعلقة بذمته، وَمَا سبب ذلك إلا التخيير، وأما سبب الوجوب (٦) فقد وجد في حقه سالما عن المعارض، ولكنه كان ذلك على التخيير.


(٥) عبارة القرافي هنا رحمه الله: "ونوضحه بذكر نظائر من الشريعة".
(٦) في نسخة ع: الوجود، ولعل ما في نسخة ح من الوجوب أظهر وأبين، وهو الصواب، ويتماشى ويتناسق مع قوله في أول هذه الفقرة: ومثل هذا لو وجب عليه عتق رقبة، ويستفاد من كلام القرافي رحمه الله في هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>