للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وزيّه في المباهاة وزيّه في غير المباهاة وكان له عند كل حالة زيّ قال: عَلَيَّ بمُحَلِّمٍ (١) , وكان من أجسم عربي يومئذ بالمدينة , فأُلبس تاجَ كسرى على عمودين وخشب , ثم صبّ عليه أوشِحَتُه وقلائده وثيابه وأجلس للناس , فنظر إليه عمر والناس معه فرأوا أمراً عظيماً من أمر الدّنيا وفتنتها , ثم قام عن ذلك فألبس زيّاً آخر فنظروا إلى مثل ذلك في غير ما نوع , ثم ألبس سلاحه وقلّد سيفه فنظروا إليه في ذلك , ونفّل عمر - رضي الله عنه - مُحَلِّماً سيف كسرى وقال: أحمِق بامرئٍ من المسلمين غرّته الدنيا هل يبلغنّ مغرور منها إلا دون هذا ومثلَه (٢)؛ فهذا الذي أوتي محمد عليه الصلاة والسلام أعظم مما أوتي موسى عليه الصلاة والسلام من فلق البحر وميراث آل فرعون , ثم إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لما فرغوا من هذه الغزوة وبعثوا الأموال إلى عمر - رضي الله عنه - توجّهوا إلى غزوة أخرى وهي الوقعة المعروفة بجَلُولاء وغيرها لا يَشغلهم ما أصابوا من الأموال والأنفال عن غزو أعداء الله تعالى والجهاد في سبيل الله تعالى , وقوم موسى عليه الصلاة والسلام لمّا نجوا من البحر أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم فقالوا: يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة , قال: إنكم قوم تجهلون , إنّ هؤلاء متبّر ماهم فيه وباطل ما كانوا يعملون , وأصحاب (محمد) (٣) - صلى الله عليه وسلم - لما فرغوا من أمر الفرس وانتهى سعد - رضي الله عنه - إلى إيوان (٤) كسرى ورأى المدائن وخُلُوَّها وما تركوا فيها فقرأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (٢٧) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الدخان: ٢٥ - ٢٨] فصلى سعد - رضي الله عنه - في الإيوان صلاة (٥) الفتح ثمان ركعات لا يفصل بينهنّ (٦) , وأتم الصلاة


(١) قال الكلاعي في الاكتفاء (٤/ ٢٥٠): " هكذا وقع ذكر محلم في هذا الحديث ولا أعرف ولا أعلم في ذلك الصدر من اسمه محلم إلا محلم بن جثامة ويقال إنه توفي على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقصته في الدم الذي أصابه والعفو عند وجوب القود ودعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مثل بين يديه قصة مشهورة , وقد قيل: إنه عاش بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فالله أعلم
, وكذلك قيل: إن الذي ألبسه عمر سواري كسرى هو سراقة بن مالك المدلجي".
(٢) أخرجه بنحوه الطبري في تاريخه (٢/ ٤٦٧).
(٣) "محمد" ليس في ب.
(٤) الإيوان والإوان: مجلس كبير على هيئة صفة واسعة لها سقف محمول من الأمام على عقد يجلس فيها كبار القوم. المعجم الوسيط (١/ ٣٣).
(٥) في ب "وصلاة" بزيادة الواو.
(٦) أخرجه الطبري بنحوه في تاريخه (٢/ ٤٦٣ - ٤٦٤).

<<  <   >  >>