للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن قيل: إن موسى - عليه السلام - أنزل الله عليه وعلى قومه المن والسلوى وظلّل عليهم الغمام , قلنا: لمحمّد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من ذلك فإنّ المنّ والسلوى رزق رزقهم الله تعالى كُفُوا فيه السّعي والاكتساب على ماكانوا قد منعوا منه من الطيبات كما قال الله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: من الآية ١٦٠] وكانوا لما أنزل الله تعالى عليهم المن والسلوى محصورين في التّيه يتيهون , فهي (١) نعمة في طيّ نَقِمَةٍ تفضّلاً من الله تعالى عليهم , فإنه ذو مغفرة للناس على ظلمهم ولا يمنع عاصياً رزقَه المكتوب له لأجل معصيته , فإنه لابدّ له من القوت أيّام حياته مطيعاً وعاصياً.

فأما محمّد - صلى الله عليه وسلم - (فإنه) (٢) ما أملق (٣) أصحابه أو عطشوا إلا دعا لهم (٤) بالبركة في الطعام والشراب حتى يكتفوا ويفضل عنهم وكان في ذلك [ق ٢١/ظ] فضيلة أخرى وهي جعل البركة في القليل حتى يكفي النفر الجليل , فقد كان يصيب أصحابَه الفاقَةُ في غزواتهم ويَقلّ عليهم الطعام والماء فيدعو بما يكون قد بقي معهم من ذلك , فيوجَد الشيء اليسير فيدعو فيه فيبارَك فيه حتى يأكلوا ويشربوا ويكتفوا ويفضل منهم (٥) كما هو مستفيض في المنقول , وأحلّ لهم الغنائم ولم يحلّ لأحد كان قبلهم رحمةً لهم ولطفاً بهم لأنّه رأى ضعفهم فأحلّها (٦) لهم وقوّاهم بها على عدوّهم وعلى أمور دينهم ودنياهم , فأدّوا الأمانة فيما أمروا به من اجتناب الغلول (٧) وحمل ما يحصل من الغنائم إلى الإمام

ورضاهم بما يحصل لهم بالقسمة كما ذكرنا من خبر قيس بن سعد (٨) حين وَجَدَ الحُقَّ


(١) في ب "في".
(٢) "فإنه" ليس في ب.
(٣) أملق إملاقاً: افتقر واحتاج. المعجم الوسيط (٢/ ٨٨٥) , المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي (٢/ ٥٧٩) , لأحمد الفيومي , المكتبة العلمية , بيروت.
(٤) في ب "دعاهم" , وهو خطأ.
(٥) في ب "فيهم".
(٦) في ب "فأحلت".
(٧) الغلول: وهو الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القِسمة. يقال: غَلَّ في المغنم يَغُلُّ غُلولاً فهو غَالٌّ. وكلُّ مَن خان في شيء خفية فقد غَل. وسُمِّيت غُلولاً لأن الأيدي فيها مغلولة: أي ممنوعة مجعول فيها غلٌّ وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه. النهاية (٣/ ٧١٧).
(٨) تقدم ذكر أن الخبر لعامر بن عبدقيس , وليس قيس بن سعد - رضي الله عنه - , انظر: ص ٣٨٤.

<<  <   >  >>