للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم عاد ينقز إلى مكانه (١) , وكذلك حنّ الجذع اليابس إليه حين فارقه فلمّا جاءه واحتضنه سكن (٢).

فإن قيل: إن موسى - عليه السلام - لما وفد بخيار قومه وهم سبعون نَفْساً إلى الله تعالى وكانوا من أفاضلهم فلمّا صاروا في البَرِّيَّةِ غلب رَوحُ القُرْبة على قلبه , وتحقق صدق الإجابة , وظاهَرَهُ قوة الوصول , أسرَعَ إلى ربّه ناسياً لقومه لما وجد من الوله قاصداً للمناجاة فقال الله تعالى (له) (٣): {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى} [طه: ٨٣] فقال: {هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: من الآية ٨٤] , وهذه حالة شريفة خصّ بها موسى عليه الصلاة والسلام دون سائر المرسلين عليهم السلام , عبّر عن نفسه ودلّ على قصده ومراده , قيل: إنّ الله عظّم شأن محمّد - صلى الله عليه وسلم - في آيتين أعلمه (فيهما) (٤) رضاه عنه وأعطاه سؤله ومناه من غير سؤال منه ولا رغبة تقدمت منه فقال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: من الآية ١٤٤] , وقال في الآية الأخرى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضُّحى: ٥] فمنحه رضاه وأعطاه مُناه في جميع مايهواه ويتمنّاه , وغيرُه من الأنبياء عليهم السلام سألوا وطلبوا رضى مولاهم , وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "لما أنزلت هذه الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: من الآية ٥١] قلتُ: ما أرى ربّك إلا يسارع في هواك" (٥) , وخصه مع الرضى بالرحمة والرأفة [ق ٢٣/ظ] فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ... } الآية [آل عمران: ١٥٩] وكان رقيق القلب , وأمر الله تعالى


(١) تقدم تخريجه , انظر: ٣٧٣.
(٢) تقدم تخريجه , انظر: ص ٣٧٢.
(٣) "له" ليس في ب.
(٤) "فيهما" ليس في ب.
(٥) أخرجه البخاري (٦/ ١١٧) , بنحوه في كتاب تفسير القرآن , باب قوله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: من الآية ٥١] , ح ٤٧٨٨.

<<  <   >  >>