للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موسى - عليه السلام - بالملاينة لفرعون لما كان فيه من الفظاظة والغلظة وقال له ولأخيه: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: من الآية ٤٤] , وذكر عن محمّد - صلى الله عليه وسلم - الملاينة والرأفة وأمره بضدّها فقال: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة: من الآية ٧٣] وإنّ لكلّ مقام مقالاً , والذي اشتهر من حال موسى عليه الصلاة والسلام الحدّة وقلة التماسك عند ورود الملمات عليه كما فعل في إلقاء الألواح وفي أخذه برأس أخيه ولحيته وجرّه إليه , وروى زيد بن (أسلم) (١) عن أبيه: "أن موسى - عليه السلام - كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً" من شدّة غضبه ذكره الثعلبي (٢) , ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بُولغ في أذاه وفي خِلافه (٣) وعداوته حتى ألقوا على ظهره السَّلا والفرث والدّم وهو ساجد , وضربوه حتّى أدموه إلى غير ذلك من أصناف الأذى فعلاً وقولاً , فقال: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» (٤) , فكان عاقبة الصّبر النصر , وأثنى الله تعالى عليه - صلى الله عليه وسلم - في سَعَةِ خُلقه وحسن سيرته وجميل صبره فقال: {وَإِنَّكَ (٥) لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: ٤]؛ وأما شوقهُ - صلى الله عليه وسلم - إلى ربّه تعالى ولقائه (فإنّه) (٦) حين جاءه (٧) نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً , وأكمل له الدّين وأتم عليه النعمة , وكان العيش عند ذلك مطلوباً وطول البقاء في الدنيا محبوباً مَرِض فَخُيّر بين الحياة وبين لقاء رَبّه , فاختار لقاء ربّه ولم يزل يقول: «الرفيق الأعلى» (حتى) (٨) قُبض - صلى الله عليه وسلم - (٩) , وموسى


(١) "أسلم" ليس في ب.
(٢) لم أقف عليه في كتب الثعلبي , وقد أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (٦١/ ١٦١) , وذكره ابن القيم في الروح (١/ ٢٣٤) , ١٣٩٥ , دار الكتب العلمية , بيروت.
(٣) في ب "بولغ في أذاه بخلافه".
(٤) أخرجه البخاري (٤/ ١٧٥) , كتاب أحاديث الأنبياء , باب حديث الغار , ح ٣٤٧٧.
(٥) في ب {إِنَّكَ} بدون الواو.
(٦) "فإنه" ليس في ب.
(٧) في ب "جاء" بدون الهاء.
(٨) "حتى" ليس في ب.
(٩) أخرجه البخاري (٦/ ١٠) , كتاب المغازي , باب مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - ووفاته , ح ٤٤٣٨ , من طريق عائشة رضي الله عنها , بلفظ: «في الرفيق الأعلى»؛ وأخرجه مسلم (٤/ ١٨٩٤) , كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم , باب في فضل عائشة رضي الله تعالى عنها , ح ٢٤٤٤ , بلفظ: «اللهم الرفيق الأعلى».

<<  <   >  >>