للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {أَيْنَ مَا تَكُونُوا} هي كلمةُ شرطٍ، ولذلك جَزَمَتْ، وعلامة الجزم سقوط النون.

وقوله تعالى: {يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا} جزمَ {يَأْتِ} لأنَّه جزاءُ الشَّرطِ؛ أي: في أيِّ موضعٍ كنتم أحضرَكم اللَّهُ المحشرَ.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}؛ أي: قادر، وفي تفسير الآية أقاويل:

قيل: هذا تمام الكلام الأوَّل؛ {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ}، ولكلٍّ منكم وجهةٌ؛ أي: قبلةٌ يَستقبلُها راضيًا بها، لا يفارقُها، فلا سبيلَ إلى اجتماع جميعِكم على قبلةٍ واحدةٍ، فالزموا معاشرَ المسلمين قبلتكم، فإنَّكم على خيرات (١) مِن ذلك في الدُّنيا والآخرة، وأينما كنتم من جهاتِ الأرضِ، جمعَكم اللَّهُ يومَ القيامة، وفَصلَ بين المحقِّ والمبطلِ، والمطيعِ والعاصي، فأثابَكم، وعاقبَ مَن خالفَكم، إنَّه على كلِّ شيءٍ مِن الجمع والإحضارِ والمجازاة قديرٌ.

وقال ابنُ كيسان: لمَّا قال السُّفهاء: ما ولَّاهم عن قبلتِهم، أنزلَ اللَّهُ تعالى قولَه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ} أي: لكلٍّ مِن اليهودِ والنَّصارى والمشركين قبلةٌ هو موجِّهُهم إليها، فإنْ كان اللَّه وجَّهَهم إليها، فأنت فيما يَنقُلكَ إليه مِن قبلةٍ إلى قبلةٍ بمنزلتهم، فما معنى قولهم لك: ما ولَّاهم عن قبلتهم؟ فتسَارَعوا (٢) إلى ما دعاكم إليه، فإنَّه خيرٌ لكم.

وقيل: أي: بيتُ المقدس والكعبةُ كلُّ واحدٍ منهما جهةٌ، واللَّه يُولِّي عبادَه إلى هذا وإلى هذا على ما يرى (٣) من الصَّلاح، فاستَبِقوا إلى الانقيادِ لأمر اللَّه تعالى في الحالَين،


(١) في (أ): "خير".
(٢) في (ر) و (ف): "فسارعوا".
(٣) في (ر) و (ف): "كل" بدل: "ما يرى".