للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مِنْ سَبِيلٍ}: كانوا مُنكِرين البعثَ بعد الموت، فاعترفوا به، وقالوا: أمتَّنا مرَّتين، وأحيَيْتَنا مرَّتين.

قال ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومقاتل والسُّدِّي في رواية: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم، فأحياهم اللَّه تعالى في الدنيا، ثم أماتهم عند انقضاء أعمارهم، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهُما حياتان وموتتان، وهو كقوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: ٢٨] (١).

وروى أَسْباطٌ عن السُّدِّي رحمهما اللَّه: أنَّ إحدى الموتتَين هي التي تنقضي فيها آجالُهم، ثم يُحييهم في القبر، ثم يُميتهم، ثم يُحييهم للبعث يوم القيامة (٢)، فهما موتتان وحياتان، ويدل هذا على عذاب القبر.

قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: وهو الأشبه والأقرب؛ لأنهم وإنْ كانوا أمواتًا حيث كانوا نُطَفًا، ففي الغالب لا يُسمَّى ذلك ميِّتًا، ولا يقال فيه: {أَمَتَّنَا} (٣).

وقال محمد بن كعب القُرَظِيُّ رحمه اللَّه: أحدُ مَوْتَيِ الكافر: حياتُه في الدنيا على الكفر، والثاني: موتُه عند انقضاء عمره، فهما موتتان، وإحدى الحَياتين: حياتُه في قبره بعد موته للمُسائلة، والثانية: حياتُه للبعث (٤).

وقولُه تعالى: {فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا}: في إنكار البعث بعد الموت {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}؛ أي: فهل يَجعَلُ اللَّه لنا سبيلًا إلى الخروج مِن النار، والرجوعِ


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ٤٤٣) عن ابن عباس وابن مسعود والسدي وأبي مالك ومجاهد وأبي العالية وقتادة، واللفظ له.
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٠/ ٢٩٢).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٩/ ١٠).
(٤) ذكر نحوه الماوردي في "النكت والعيون" (٥/ ١٤٦) عن السدي.